الموضوع التاسع: (الأكبر(ع) وثقافة الحياة بالموت!):

- مقدمة: قول الأكبر(ع): (لا نبالي نموت محقين)، ماذا نفهم منه؟ هل يدعو لثقافة الموت؟ أم الحياة؟

- الإجابة تعتمد على فهم خصائص نشأة الدنيا وما يليها، خصوصا عالم الموت، وبذلك نميز بين الزيف والحقيقة، فيكون التعامل بعيدا عن الانخداع والغفلة. وهنا وقفتان.

- الوقفة الأولى: أهم خصائص عالم الدنيا:

1) دار لهو ولعب ومتاع. (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ)، (إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ)، واللعب: الفعل الذي لا يجدي نفعا، ومنه يعلم أن المنافع الدنيوية ليست بشيء قياسا بالنفع الأخروي. واللهو: الانشغال عما يهم ويعني. والمتاع: المنفعة ذات اللذة المعجلة والمنقطعة. (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ)، فالمغتر من أخذ بالمنقطع اليسير على حساب الدائم الكثير، (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)، الأمير(ع): (وكل شيء من الدنيا سماعه أعظم من عيانه، وكل شيء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه)، (وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ).

2) الدنيا متصرمة قصيرة. مهما طالت فلا تقاس بعالم لا زمان فيه. النبي(ص): (ما بين الدنيا والآخرة غمضة عين)، (الدنيا ساعة)، الأمير(ع): (الدنيا كيوم مضى، وشهر انقضى)، (الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا)، السجاد(ع): (الدنيا سِنة، والآخرة يقظة، ونحن بينهما أضغاث أحلام).

3) الدنيا دنيّة بلا قيمة. الأمير(ع): (والله لهي في العاجلة والآجلة أنتن من الجيفة، وأكره من الميتة، غير أن الذي نشأ في دباغ الإهاب لا يجد نتنه).

4) دار نغص. الأمير(ع): (أحذركم الدنيا؛ فإنها محلة تنغيص)، (دار المحن).

- النتيجة: أن التعامل الصحيح مع عالم هذا شأنه يكون: 1

) بجعل الأصالة للآخرة لا له، فهي ممر ومجاز، الأمير(ع): (إنك مخلوق للآخرة فاعمل لها، إنك لم تخلق للدنيا فازهد فيها).

2) بترك الانكباب عليها. الأمير(ع): (من كانت الدنيا همته اشتدت حسرته عند فراقها).

3) بالأخذ منها بحد الكفاية والاعتدال. الصادق(ع) عن لقمان: (وخذ من الدنيا بلاغا، ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس، ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك).

4) الصبر على الطاعة وعن المعصية. الكاظم(ع): (اصبر على طاعة الله، واصبر على معاصي الله، فإنما الدنيا ساعة، فما مضى منها فليس تجد له سرورا ولا حزنا، وما لم يأت منها فليس تعرفه).

  

- الوقفة الثانية: 5 حقائق عن عالم الموت:

 1) أنه رجوع لمحل الانتماء الحقيقي. (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ). فالمطلوب هو الالتفات إلى حركة الرجوع قبل أن تأتي بغتة فتتسبب بوحشة عظيمة، ومن لم يغفل يصفه النبي(ص): (ما شبهت خروج المؤمن من الدنيا إلا مثل خروج الصبي من بطن أمه من ذلك الغم والظلمة إلى رَوح الدنيا).

2) الموت كاشف لحجب الحقائق الموجودة فعلا، فتكون مشهودة بالبصر الروحي لا بالعين المادية التي لا صلاحية لها أصلا على معاينة هذه البواطن الخطيرة، فبصر ما بعد الموت انفعال حقيقي بالحقيقة الغيبية بالحضور، لا بالانطباعات الذهنية. (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ)، الأمير(ع): (فإنكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم..، وسمعتم، وأطعتم، ولكن محجوب عنكم ما قد عاينوا، وقريب ما يُطرح الحجاب).

3) الموت خطوة مهيئة للقيامة بدرجة أرقى من الحياة بالنسبة للدنيا. النبي(ص): (إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته، يرى ما له من خير وشر).

4) الموت قريب محيط بالدنيا متعلق بكل ذرة من ذراتها. الأمير(ع): (إن الموت لمعقود بنواصيكم، والدنيا تُطوى من خلفكم).

5) الموت تجلٍّ لعصارة الدنيا، وعلاج لكلٍّ بحسبه، وذلك يفسر اختلاف الروايات الواصفة للاحتضار.

 

- النتيجة: نفهم مما تقدم أن النظرة حول الموت تعتمد على سعة الرؤية الكونية التحقيقية، فيضيق عند من يجهل حقيقته، ويتسع عند من تدبّر في إخبارات الله ونبيه(ص) وأهل بيته(ع).

- الموت خلاصة هذه الحياة، فمن قدم لنفسه لم يهرب منه، بل طلبه طلبا للراحة والحيوان، وفي إطار التكليف، ومن لم يقدم لنفسه بأن تعلق بالدنيا، فإنه لا يريد أن ينتقل إلى خراب بعد أن عمر دنياه بزينتها الكاذبة.

- الموت ثقافة عالية لا يدركها من تعلق بالدنيا، فالحياة الحقيقية هناك، وثقافة الحياة البائدة هي الموت الحقيقي.

- ليست هذه دعوة للانزواء عن الدنيا، بل إلى التعامل معها بما تستحق، فثقافة الموت ثقافة حياة، لا ثقافة تنغيص وتثبيط إلا لمن غرته زينة الدنيا، وأخذته زخارفها الخاوية.

- السؤال حول قول الأكبر(ع) "هل يدعو لثقافة الموت أم الحياة؟" يستبطن الإذعان بالمغايرة بين الموت والحياة، والحال أن الموت هو عين الحياة، وتجلٍّ لها، وله أجل، فالسعي يكون لا إلى الموت المعروف، ولا إلى حياة الدنيا، بل إلى الحياة الحقيقية الأخروية، فلا حساب للموت والحياة حينها إلا بمقدار ما يوصل إلى تلك الحياة، فهي ثقافة حياة بحياة الدنيا المستقيمة وبخلاصتها المتمثلة في الموت!

 

تغطية مصورة - يوم 8 محرم الحرام 1443 هجرية - الخطيب الشيخ رجائي البارباري
 

رابط الأسرة ورباط الزوجية

ورد عن النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه): مَا اسْتَفَادَ امْرُؤٌ مُسْلِمٌ فَائِدَةً بَعْدَ الإسْلامِ أَفْضَلَ مِنْ زَوْجَةٍ مُسْلِمَةٍ تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَهَا وَتَحْفَظُهُ إِذَا غَابَ عَنْهَا فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ

رابط الأسرة ورباط الزوجية

عقد ناموسي أمرت به جميع الأديان، فالسعي نحو التزويج هو من مقتضيات الفطرة السليمة التي لم تتلوث بالأفكار الغربية المنحرفة الهادمة للبيوت الزوجية، فهو يبحث عن تكوين أسرة صالحة وفق الأوامر الإلهية حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله (مَن أحَبَّ أن يَتَّبِعَ سُنَّتي، فَإِنَّ مِن سُنَّتِي التَّزويجَ) (مِنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي، وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ)،

رابط التوحيد ورابط التزويج:

 وبالتتبع في الآيات والروايات نجد أن الله سبحانه وتعالى جعل الرابط الأسري في المرتبة الثانية بعد التوحيد مباشرة. (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، فلماذا جعل الرابط الأسري بعد التوحيد مباشرة، وجعل تكوين الأسرة من الأولويات، فلماذا تم تقديم تكوين الأسرة على كل شيء. قد يأتي الجواب أن الأساس في إشاعة النسل البشري هو التزاوج، وهذا الجواب سطحي، فالأساس أن بين الرابطين والعقدين تكامل معنوي للطرفين للرقي إلى أعلى الهرم بالروحانيات والاتصال بالله سبحانه وتعالى.

آثار التزويج المعنوية:

وهذا ما يشير إليه حديث الرسول (ص) (مَنْ تزوّج فقد اعطي نصف السعادة)، وما ورد عن الصادق (ع) (ركْعَتَانِ يُصَلِّيهِمَا مُتَزَوِّجٌ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً يُصَلِّيهِمَا أَعْزَبُ‌)، فهل الدين أمر مادي أم معنوي؟ الدين أمر معنوي وليس مادياً فإذا فرضنا أنه مادي فهل هناك نصف يكتمل بالزواج ويبقى نصف آخر مادي ملموس؟ هناك معنويات، فصلاة المسجد أفضل من الصلاة في البيت لوجود خصوصيات وأجواء روحية تجعل المؤمن يتصل بالله بصورة أقرب وأسرع.

وفي الرواية عن النبي (ص) (مَن تَزَوَّجَ فقد أحرَزَ نِصفَ دِينِهِ، فَلْيَتَّقِ اللّهَ في النِّصفَ الباقي) فهناك أجواء روحية ونورانيات وصلوات ورحمات تتنزل على البيت الأسري وعلى المتزوجين، المتزوج يعيش استقراراً عاطفياً وحالة روحية من خلالها تتهيأ الأجواء له للاتصال بالله بشكل أكثر خشوعا.

تنزل الرحمة والنورانية على المتزوج:

في الحديث عن الرسول (ص): (كلّ لهو المؤمن باطل إلّافي ثلاث؛ في تأديبه الفرس، ورميه عن قوسه، وملاعبته امرأته؛ فإنّهنّ حقّ).

وعن الصَّادِقُ عليه السلام : ( لَيْسَ شَيْءٌ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا الرِّهَانُ، ومُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ)، فالرواية تشير إلى حضور الملائكة وصلواتها ورحماتها تنزل على الزوجين، فالمسألة لا تنحصر في قضاء الشهوة، وإنما هي عبادة عميقة واتصال بالله، ولذلك فقيمة عمل المتزوج أفضل من قيمة عمل الأعزب.

وهناك رحمات ونورانيات تتنزل من الله على المتزوج، بمجرد عقد الزواج،

عقد زواج القاسم (ع):

وقد عقد الإمام الحسين عليه السلام على القاسم عند نيته القتال، وهناك استغراب لمن ينفي بشكل قاطع عدم حدوث عقد الحسين على القاسم وهو نفي غير صحيح وليس من ديدن العلماء، فالسيد الخوئي رحمه الله أجاب حول هذه المسألة (بعدم ثبوتها لديه)، وهناك مخطوطات تم طباعتها في السنوات الأخيرة أثبتت صحة العديد من القضايا، فلماذا تواجه هذه القضية بالنكران؟

السيد الحكيم وروايات المقتل:

المرجع الديني السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله في كتاب من وحي الطف يقول: (أن عدم العثور على مصدر الرواية لا يصلح شاهداً على كذبها، لأنه قد ألفت في العصور الأولى كثرة كاثرة من الكتب حول مقتل الحسين (عليه السلام) تعتمد على الروايات المسندة لمشاهدي الحوادث أو على ما يحدث به أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في عصورهم الطويلة، حيث بذلوا (صلوات الله عليهم) جهدهم في الإعلان والتذكير بهذه المصيبة بما أحاط بها من مآسٍ وفجائع وعظاتٍ وعبر، وإذا كانت تلك الكتب قد ضاعت علينا فمن القريب جداً أن يكون كثير من مضامينها قد بقي في الصدور يتناقله الناس جيلاً بعد جيل، أو أودع بنحو مرسل في بعض المقاتل المتأخرة التي وصلتنا. كما أن كثيراً من الأحداث ربما لم يسجل وإنما بقي متناقلاً بين الناس في الأجيال المتعاقبة حتى وصل إلينا مرسلاً من دون مصدر. واحتمال ذلك كافٍ في حسن ذكره لتشييد حق معلوم أو للتنفير من باطل معلوم.

زواج القاسم هو صيغة عقد:

الزواج الذي حدث هو صيغة عقد (إيجاب وقبول)، وما يأتي به الخطباء هو للتفجع ولتعظيم المصيبة، هناك عدة روايات أشارت إلى حدوث أصل الخطبة، في أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين يقول (كانت سكينة قد سميت لابن عمها القاسم بن الحسن فقتل يوم الطف.)، وقد ذكر القضية بالتفصيل آية الله حبيب كاشاني ويذكر الرواية عن مقتل أبي مخنف، وقد ذكرها أيضا أحد معاصري الشيخ الطوسي.

 

 

تغطية مصورة - ليلة 8 محرم الحرام 1443 هجرية - الخطيب الشيخ علي الجفيري

الموضوع الثامن: (النظام العائلي وحركة الإرشاد الأسري):

- مقدمة: لا تُنكَر أهمية البناء الأسري في جميع المجتمعات المتحضرة، وضرورة اعتماده على نظام محكم، ثم يأتي دور الإرشاد الأسري لمعاجلة أي خلل يقع في تطبيق ذلك النظام، وهنا 3 نقاط.

- النقطة الأولى: أسس النظام العائلي: يمكن ذكر 6 أمور:

 1) الزواج ميثاق غليظ. (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)، والميثاق عهد فيه ائتمان محكم، والغليظ هو: الباقر(ع): (إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).

2) قوامة الرجل، وهي: أن التدبير عليه، مبني على الفضل (بِمَا فَضَّلَ) بمعنى الزيادة لا الكرامة، وهناك زيادة جهزت بها النساء دون الرجال أيضا، يقوم عليها الاجتماع والائتلاف في المجتمع ككل، وهي زيادة العاطفة، وحذّر الله تمني كل قبيل ما عند الآخر لفساد الحياة بذلك، فهذه التجهيزات تكاملية لا تفاضلية، والفضل الحقيقي في ابتغاء ما عند الله تعالى. (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ).

3) المودة والرحمة. (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، أما النظام العائلي المبني على المغالبة والإضرار والخصومة فهو منهار لا نفع فيه.

4) المعاشرة بالمعروف والإحسان. (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)، (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)، وقال: (ولَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا).

5) الإشباع الجنسي. (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)، والزواج وإن لم يكن مسألة غريزية بحتة، إلا أن هذا الأساس من أهم مقومات الاستقرار، ومقدمة عملية لبقية الأسس.

6) الإصلاح، بأن يكون أصلا لعلاج أي خلل ينتج عن التقصير في الأسس السابقة من أي طرف. (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا).

 

- النقطة الثانية: خطوات قرآنية لإصلاح الخلاف المهدد للعلاقة بالنشوز أو بالشقاق، وهنا حالات:

1) نشوز الزوجة بترك الطاعة فيما يجب، وبعدم التمكين، وبالخروج من غير إذن: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا)،

فالخطوات هي:

أ) الوعظ.

 ب) الإعراض في المضاجع؛ بإعطائها ظهره، لا ترك الاضطجاع من رأس.

 ج) الضرب.

- إشكال: كيف يكون الضرب خطوة إصلاحية؟!

الجواب: هناك موارد ثبت فيها استثناءٌ بجواز الضرب للبالغ باشتراطات تجعله ضربا محتكما للقوة العاقلة دون تعدٍّ وإضرار، فلا ينطلق من التشفي، والانتقام، والغضب، فقوله: (وَاضْرِبُوهُنَّ) يعني أقل الدرجات بما يُرجى منه التنبيه، وإيجاد صدمة للرجوع عن الغي، وشروطه: ألا يؤدي إلى كسر أو جرح، أو تغيير الجلد بالاحمرار ونحوه، وأن يكون برجاء الإصلاح؛ فهو هدفه، لا التشفي وتفريغ الغضب، وهو ضرب فقد معناه العدواني الوحشي المتعارف الذي يسبب استيحاشا.

- يظهر من بعض الروايات أن هذا الضرب –لمّا كان من مقدمات الإصلاح لتحصيل الطاعة، خصوصا من جهة التمكين- مطلوب كمقدمة للتماسّ الذي قد يوجب حركة غريزية شعورية بين الطرفين تستدعي الرغبة في المباشرة، في الرواية: (الضرب بالسواك).

2) نشوز الزوج بترك ما أوجبه الله عليه للمرأة، كترك النفقة، والمبيت، أو الهجران والإيذاء: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)، وحلول المرأة هنا تتناسب مع طبيعتها، فإما أن تستعطفه لتستميله بترك شيء من حقوقها عن طيب خاطر، وإما أن تعظه وتحذره، فإن رجع وإلا رفعت أمرها للحاكم الشرعي، فيخيره بين الرجوع والطلاق، فإن امتنع عن الرجوع أجبره، وإلا أمره بالطلاق، فإن امتنع طلقها الحاكم، على تفصيل. وله أن يعزره.

3) الشقاق من الطرفين، والحل: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا)، والملحوظ أن مبدأ الإصلاح حاكم في جميع الحالات، كما أن اللجوء لأطراف أخرى متروك لأثقل حالات الخلاف، والأصل هو حد الخلاف بين الطرفين قدر الإمكان إلا مع تعذر الحل.

 

- النقطة الثالثة: الإرشاد الأسري وخواص المرشد:

 الإرشاد الأسري هو عملية تفاعلية يقوم بها مختص لعلاج أي اضطراب يعترض الأسرة واستقرارها، عبر برنامج مهني يراعي طبيعة الحالة، فهو ليس مجرد نصائح، بل أسلوب علمي مدروس.

- التصدي لإصلاح المشاكل الأسرية يعد من أعقد التخصصات وأخطرها، فلا ينبغي أن يكون شغلا لكل من يريد ذلك ولو من حسن نية، النبي(ص): (من عمل على غير علم، كان ما يفسد أكثر مما يصلح).

- هناك شروط لابد من توفرها في المرشد والمصلح الأسري لو فقد أحدها لم يكن مؤهلا، منها:

1) الفضيلة العلمية والفهم الفقهي المحكم، ويمكن تداركه بتتميم الرجوع إلى العالم أيضا. 2) التخصص الأكاديمي والمهني. 3) الاستقامة الأخلاقية. 4) الأمانة وحفظ الخصوصيات. 5) السلامة النفسية. 6) الخبرة والتجربة المحكمة. 7) الحكمة وبعد النظر. 8) العدل وعدم الانحياز اللامبرر. 9) التروي والنضج.

 

تغطية مصورة - يوم 7 محرم الحرام 1443 هجرية - الخطيب الشيخ رجائي البارباري

علاقة السببية بين الذنوب

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) سورة الحديد

 

القراءة الفقهية والعرفانية للذنوب

للذنوب آثار سلبية على الإنسان، وتطرح قراءة الذنوب قراءة فقهية التساؤلات على هذا النحو: هل يجوز أن أصلي خلف المذنب؟ هل تقبل شهادة المذنب؟ هذه تساؤلات فقهية وقراءة فقهية للذنوب، وقد تقرأ الآثار قراءة عرفانية، هل للذنوب آثارا سلبية على روح وجسد الإنسان؟ هل للذنوب آثار ومسببات في قطع رزق الإنسان؟

هناك أمور مكروهة ومحرمة وضعتها الشريعة لمصلحة المخلوق، وقد ورد عن أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) مَا جَفَّتِ الدُّمُوعُ إِلَّا لِقَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَمَا قَسَتِ الْقُلُوبُ إِلَّا لِكَثْرَةِ الذُّنُوبِ، وقد تحدثت بعض الدراسات العلمية الحديثة أن الطاقة السلبية للإنسان ناتجة عن آثار الذنوب والمعاصي والآثام، وقد تتسبب الذنوب في قطع رزق الإنسان.

وللذنوب آثار سلبية وخيمة روحية، فهي تمنعه من التوفيق والخشوع والتوجه في الصلاة، وإذا اعتاد الإنسان على الذنوب فإنه يسلب منه التوفيق للعبادة ويخلق حجاباً بينه وبين الله سبحانه وتعالى.

الذنوب (أمراضها وأعراضها)

كيف يمكن للإنسان الابتعاد عن الذنوب بلا عودة؟ هناك علاقة سببية بين الذنوب، نحن ننظر للذنوب وكأنها جزر مستقلة كل على حدة، بينما هي متصلة ببعضها البعض، وكما يقول علماء العرفان، فهناك أمراض وأعراض، لا يمكن أن تبتعد عن الأعراض بدون استئصال المرض، فإذا أراد الإنسان أن يبتعد عن الذنوب فلا بد أن يستأصل المرض.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ

التجسس والغيبة وسوء الظن جمعت في آية واحدة وهذه جميعها أعراض.

العلاج لا يمكن بإزالة العرض وإنما بإزالة المرض من جذوره، والمرض الأساسي هو انتهاك حرمة المؤمن، وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: المؤمن أعظم حرمة من الكعبة. فإذا التفت الإنسان إلى مسألة حرمة المؤمن فسيجتنب هذه الأعراض عبر استئصال المرض الأساس.

قد يلتفت الإنسان إلى الذنوب الظاهرية ويغفل عن الذنوب الباطنية التي هي أشد فتكاً، فالأمراض الداخلية المخفية مثل (الحسد، سوء الظن، الحقد،) ينبغي معالجتها، فإذا عالج الإنسان ما في داخله فسيحمل الآخرين على الخير.

(اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم)، فبعض آثار الذنوب أنها تتسبب في إضعاف مناعة الإنسان، فمن يتوغل في المعاصي والذنوب تستحيل عليه العودة وتضعف مناعته الروحية، ولذلك فينبغي الحذر من الشيطان، والحسين عليه السلام يقول: (وَأحَذِّرُكُمْ الْإِصْغَاءَ إِلى هَتُوفِ الشَّيْطانِ بِكُمْ فَإِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبينٌ،)

 

 

تغطية مصورة - ليلة 7 محرم الحرام 1443 هجرية - الخطيب الشيخ علي الجفيري

تغطية مصورة - يوم 6 محرم الحرام 1443 هجرية - الخطيب الشيخ رجائي البارباري

كرة بعد كرة، وعودة بعد رجعة

ورد في خطبة الافتخار عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (ع) في حديث، قال:

ومن أنكر أن لي في الأرض كرة بعد كرة، ودعوة بعد دعوة، وعودة بعد رجعة، حديثاً كما كنت قديماً، فقد رد علينا، ومن رد علينا فقد رد على الله

مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين(ع)  - الحافظ رجب البرسي

شبهة اتحاد سقف المعارف

شبهة تثار بأن الإسلام لا يوجد في معارفه غوامض ولا أسرار، فالإسلام هو ما يفهمه الجميع، وأما أن يتم تقسيم الناس إلى عامة وخاصة وحملة أسرار، فهذا لا يوجد في الإسلام لأن سقف المعارف واحد.

الجواب على الشبهة:

في كتاب الله (لوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)، قد يقال أننا أهل تعقل وقد نزل علينا القرآن فما تصدع فينا أحد، فالنزول ليس على نحو المصحف الذي بأيدينا ولا على نحو التلاوة، وإنما النزول المقصود هو بيان الأسرار والغوامض والمعارف العميقة من القرآن الكريم، فلو تجلت الأسرار والغوامض والمعارف لما هو صلب كالجبل لساخ ونسف.

عدم تحمل أباذر لعلم سلمان:

في الرواية عن الإمام السجاد عليه السلام (لَوْ عَلِمَ أَبُو ذَرٍّ مَا فِى قَلْبِ سَلْمَانَ لَقَتَلَهُ، وَ لَقَدْ ءَاخَى رَسُولُ اللَهِ بَيْنَهُمَا؛ فَمَا ظَنُّكُمْ بِسَآئِرِ الْخَلْقِ؟! إنَّ عِلْمَ الْعُلَمَآء صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ، لَا يَحْتَمِلُهُ إلَّا نَبِىٌّ مُرْسَلٌ أَوْ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللَهُ قَلْبَهُ لِلإيمَانِ). وفسر الشريف المرتضى في كتابه (غرر الفوائد ودرر القلائد) (و من أجود ما قيل فى تأويله أن الهاء فى قوله: «لقتله» راجعة إلى المطّلع لا إلى المطّلع عليه؛) أي أنه لو علم أبوذر علم سلمان، لقتل علم سلمان أباذر، العلم المعرفة الأسرار الغوامض.

سقف المعارف متعدد له عمق وله سطح:

في الرواية أنه أتى الحسين عليه السلام أناس فقالوا له: يا أبا عبد الله حدثنا بفضلكم الذي جعل الله لكم. فقال إنكم لا تحتملونه ولا تطيقونه. قالوا: بلى نحتمل. قال: إن كنتم صادقين فليتنح إثنان وأحدث واحدا، فإن احتمله حدثتكم. فتنحى إثنان وحدث واحدا، فقام طائر العقل، ومر على وجهه وذهب، فكلمه صاحباه فلم يرد عليهما شيئا وانصرفوا.

وفي رواية أخرى أتى رجل الحسين بن علي عليهما السلام فقال: حدثني بفضلكم الذي جعل الله لكم. قال عليه السلام: إنك لن تطيق حمله. قال: بلى حدثنى يابن رسول الله إني أحتمله. فحدثه بحديث، فما فرغ الحسين عليه السلام من حديثه حتى ابيض رأس الرجل ولحيته، وأُنسيَ الحديث. فقال الحسين عليه السلام: أدركته رحمة الله حيث أُنسي الحديث.

وفي الحديث عن النبي (ص) إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلى قَدْرِ عُقُولِهِمْ.

التقوى العلمية والتسليم:

 فعندما نواجه معرفة أو سراً أو أمرا لا نتحمله أو نطيقه، فهل يعقل أن نكذب الخبر أم نواجه القضايا بالتسليم، العلامة المجلسي يقول (ليس من طريقة الأخيار تكذيب الأخبار).

فعندما لا نعقل أمر ينبغي أن نمارس التقوى العلمية عند مجابهة سر من الأسرار لا نطيقه فالمفترض أن يسلم بها دون أن ينكر، وهناك من يستفسر بصيغة الاستنكار لا الاستفهام، وهذا أمر غير صحيح، للمستمع الحق في الاستفسار من الخطيب بصيغة الاستفهام للاستعلام لا الاستنكار والتكذيب. وليترك التخصص إلى أهله.

ازدواجية التسليم:

هناك ازدواجية في التسليم عند البعض، فهو يقبل ويسلم بكل ما يقول به الطبيب والميكانيكي وأهل التخصص، إلا أنه يفرض نفسه ورأيه عندما يصل إلى الدين، فلا بد أن نعيش صحوة، وهناك أيدي خفية تعمل على تكذيب الخطباء وتسقيط المنبر، المنبر أمانة الأجداد، وقد عرفنا قيمته عندما حرمنا من الحضور في العام الماضي، ولذلك فلا يمكن السماح لأي أحد بتسقيطه.

التعامل مع الروايات التاريخية

يسأل أحدهم هل الرواية التاريخية صحيحة سنداً؟  ومن قال بأن الروايات الصحيحة سنداً ينظر إليها في القضايا التاريخية؟ فكيف تطبق المعايير المطبقة على الفقه في المسائل أو القضايا التاريخية؟ ومن قال بأن الخبر أو الرواية الصحيحة يمكن الأخذ بها؟ قد تكون هناك رواية صحيحة سندا يضرب بها عرض الحائط. وهل لديك الإلمام والتخصص والأدوات والخبرة في علم الرجال والتي تؤهلك لتحديد صحة الرواية من عدمه؟ الاستفهام مقبول والاستنكار مرفوض، فبالحوار تتسع المفاهيم، وبه تتسع الأفكار، وبه تصل المسائل إلى المستمع، فإذا واجهنا قضية من القضايا لا نتحمله، فينبغي البحث عنها لدى أهل الاختصاص أو التسليم بها.

قضية الرجعة:

من المسائل المطروحة مسألة الرجعة، فيقف البعض لينفي قضية الرجعة لكونها غير صحيحة وغير ثابتة، وهذا الحديث ناتج عن سوء فهم لعبارة العلماء الذين يقولون (الرجعة من الضرورات، ونؤمن بها إجمالا) أي أن ثبوتها متحقق ولكن هناك بعض التفاصيل غامضة ولذلك نؤمن بتفاصيلها على نحو الإجمال إلى حين اتضاحها، ومن أمثلة التفاصيل محل بحث العلماء قضية الشخصيات التي سيؤذن لها بالعودة (الأئمة، الأئمة والأولياء، غيرهم)، فعدم وضوح تفاصيل القضية لا ينفي أصلها ولا يبرر نكران القضية، فالآيات دل على عودة الأئمة وعقيدة الرجعة، ويشير العلماء ان هناك قضايا قد تكون نظرية في زمن ما وتتضح تفاصيلها بعد عشرات السنين.

منكري عقيدة الرجعة:

  • بعض الشيعة: قالوا أن القضية غير صحيحة ولا دليل عليها، ومن المستغرب نكرانهم الأمر رغم أن أكثر زيارات الأئمة تلهج بعقيدة الرجعة، فإما أن يعترف بصحتها أو أن يتم حذفها من كتب الزيارات.
  • علماء المذاهب الأخرى: عندما يتطرقون لتفسير آيات الرجعة فإنهم يشيرون باستنكار غير علمي ويعلقون بألفاظ غير لائقة لا تتناسب مع الحوار العلمي.
  • حرب الغرب على العقائد الملهمة: عقيدة الرجعة فيها إلهام، ولذلك فقد عمل الغرب على تشويه وتسقيط العقائد الملهمة وعقيدة الرجعة عبر صناعة الأفلام التي تصور مصير الحضارة نتيجة للرجعة وذلك بشكل قبيح يتقزز منه الإنسان، وذلك بغرض تشويه هذه العقيدة بما يضمن لهم الربط السلبي بين اللقطات المصورة وبين العقائد الحقة.

رجعة الأئمة:

يظهر الإمام صاحب العصر والزمان ويملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملأت ظلما وجوراً، وللأئمة رجعة ودولة، وللحسين كربلاء أخرى تختلف عن كربلاء الدنيا التي سار لها.

 

Page 26 of 131