ملخص المحاضرة - ذكرى إستشهاد الإمام الرضا ( ع ) 1443 هجرية - الخطيب الشيخ علي الجفيري
عنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ مرويٍ عن الإمام الرِّضَا (عليه السلام) بخصوص باب العلل قال:
إِنْ سَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ أَخْبِرْنِي هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَ الْحَكِيمُ عَبْدَهُ فِعْلًا مِنَ الْأَفَاعِيلِ لِغَيْرِ عِلَّةٍ وَلَا مَعْنًى قِيلَ لَهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَكِيمٌ غَيْرُ عَابِثٍ وَلَا جَاهِلٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَخْبِرْنِي لِمَ كَلَّفَ الْخَلْقَ قِيلَ لِعِلَلٍ كَثِيرَةٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَخْبِرْنِي عَنْ تِلْكَ الْعِلَلِ مَعْرُوفَةٌ مَوْجُودَةٌ هِيَ أَمْ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ وَلَا مَوْجُودَةٍ قِيلَ بَلْ هِيَ مَعْرُوفَةٌ مَوْجُودَةٌ عِنْدَ أَهْلِهَا فَإِنْ قَالَ أَتَعْرِفُونَهَا أَنْتُمْ أَمْ لَا تَعْرِفُونَهَا قِيلَ لَهُمْ مِنْهَا مَا نَعْرِفُهُ وَمِنْهَا مَا لَا نَعْرِفُهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا أَوَّلُ الْفَرَائِضِ قِيلَ لَهُ الْإِقْرَارُ بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ حُجَّتِهِ وَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لِمَ أُمِرَ الْخَلْقُ بِالْإِقْرَارِ بِاللَّهِ وَ بِرُسُلِهِ وَبِحُجَجِهِ وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قِيلَ لِعِلَلٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا أَنَّ مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَلَمْ يَجْتَنِبْ مَعَاصِيَهُ وَلَمْ يَنْتَهِ عَنِ ارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ وَلَمْ يُرَاقِبْ أَحَداً فِيمَا يَشْتَهِي وَيَسْتَلِذُّ عَنِ الْفَسَادِ وَ الظُّلْمِ وَإِذَا فَعَلَ النَّاسُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَ ارْتَكَبَ كُلُّ إِنْسَانٍ مَا يَشْتَهِي وَ يَهْوَاهُ مِنْ غَيْرِ مُرَاقَبَةٍ لِأَحَدٍ كَانَ فِي ذَلِكَ فَسَادُ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَوُثُوبُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ.
http://lib.eshia.ir/86808/2/99
مقدمة:
تكلم الإمام الرضا (ع) جميع المجالات الدينية تبليغا لدين الله عزوجل ابتداءً بأصول الاعتقاد وما يتفرع عليها من تشريعات، كما أنه رد عددا كبيرا من الشبهات، وقارع أصحاب الأديان والاعتقادات بالحجة، ومن أهم الآثار التي وردت عن الرضا (ع) هذا الأثر الذي جمعه صاحبه الفضل بن شاذان والذي جمع فيه العلل الواردة عن الرضا (ع) في تشريع العبادات وبيان المحرمات في مواقف شتى وعديدة في رواية واحدة استغرقت صفحات كثيرة ووردت فيها العشرات من العلل، وهذا يدلل على اهتمام الإمام (ع) بهذا الشأن بنحو خاص، ويوضح أن الشبهات التي جاءت على التشريع الإسلامي ليست وليدة العصر وإنما وردت في عصر الأئمة (ع) واحتدمت في أوجها وذروتها في عصر الإمام الرضا (ع) أو ما يقرب منه، فجاء هذا الأثر مجموعا عنه منافحا عن شبهة إيجاد الثغرات المزعومة في التشريع الإسلامي.
اعتبار الرواية:
أورد الشيخ الصدوق هذه الرواية بثلاث وسائط بينه وبين الإمام الرضا (ع)، ووصف بعض الفقهاء هذا السند بالاعتبار والاعتماد عليه، بل إن بعض الفقهاء قد جعل هذه الرواية موردا للاستشهاد والاعتماد والتدليل على بعض المطالب الواردة في هذا الشأن، وقد ألف الشيخ الصدوق (عليه الرحمة) كتاباً بعنوان (علل الشرائع).
أصول الاعتقاد وعلل الشرائع:
قسمت الرواية بنحو التدرج حيث ابتدأت بالحديث عن العلل فيما يتعلق بأصول الاعتقاد ابتداء بالله وبالنبي (ص) وبالحجج من بعده سلام الله عليهم أجمعين، وقد رتب الإمام (ع) أثر التشريع على الإيمان بهذه الاعتقادات الثلاث فلا يمكن فصل أحدها عن الآخر، وبين أن كلما جاء من تشريع متكامل إنما هو نابع عن الاعتقاد بهذه الأصول الثلاثة الأساسية، ثم ينتقل الحديث لتفاصيل علل العبادات (الحكم)، حيث تتناول العلل الكامنة وراء تشريع هذه العبادات والنواهي.
مضامين الرواية:
أولا: أحكام وتشريعات الله عز وجل لها علل وحكم:
لا يمكن لهذه التشريعات العديدة أن تأتي جزافاً دون أن يكمن وراءها مصلحة أو مفسدة وهو أساس التشريع، فعَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام)، أنَّهُ سَأَلَه عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْحَلَالِ والْحَرَامِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ شَيْءٌ إِلَّا لِشَيْءٍ. فلا حرام ولا واجب ولا مستحب ولا مكروه ولا مباح إلا من وراء التكليف علة ومصلحة ما، وهذا ما أشار له الرضا (ع) في الرواية.
العلل انبثاق لحكمة الله:
وهذه العلة إنما هي منبثقة من صفة الحكمة في الله عزوجل، وهو ما ابتدأت به الرواية: (إِنْ سَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَ الْحَكِيمُ عَبْدَهُ فِعْلًا مِنَ الْأَفَاعِيلِ لِغَيْرِ عِلَّةٍ وَلَا مَعْنَى؟ قِيلَ لَهُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ حَكِيمٌ غَيْرُ عَابِثٍ وَلَا جَاهِلٍ)، والآمر الناهي هو الله المتصف بالحكمة، ولما كان كذلك فلا يجوز عليه العبث ولا يجوز عليه عقلا الجهل، ولا بد لكل أمر ونهي في تشريعاته علة وحكمة، ثم يسأل الإمام (ع) قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ تِلْكَ الْعِلَلِ مَعْرُوفَةٌ مَوْجُودَةٌ هِيَ أَمْ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ وَلَا مَوْجُودَةٍ؟ قِيلَ: بَلْ هِيَ مَعْرُوفَةٌ وَمَوْجُودَةٌ عِنْدَ أَهْلِهَا، فَإِنْ قَالُوا: تَعْرِفُونَهَا أَمْ لَا تَعْرِفُونَهَا؟ قِيلَ لَهُمْ: مِنْهَا مَا نَعْرِفُهُ وَمِنْهَا مَا لَا نَعْرِفُهُ،
فليس من الضرورة معرفة الكل أو اطلاعه على هذه العلل، فالمهم الأساس أن لكل تشريع علة محفوظة عند أهلها من المعصومين.
ثانيا: العلل والحكم استجلاب للمصالح ودرء للمفاسد
تأتي العلل على صورتين (حث وأمر، زجر ونهي ومنع)، وتقسم وفقاً للتكاليف الشرعية إلى (واجب ومستحب، حرام ومكروه)، فالعلل الكامنة وراء حالة الحث والأمر تكون مختلفة عن نوع العلل الكامنة وراء الزجر والنهي لأن ما يؤمر به وراءه مصلحة، وما ينهى عنه فإن وراءه مفسدة، فالسبب الأساس في الأوامر هو استجلاب المصالح، وفيما ورد عن الإمام علي (ع) (الْعِبادَةُ فَوْزٌ)، (فِي الاِنفِرادِ لِعِبادَةِ اللّه ِ كُنوزُ الأَرباحِ).
ثالثا: نظرة معمقة للعلل والأحكام:
1- تداخل علل المصالح والمفاسد: يفهم من النصوص أن كل أمر وراءه مصلحة ففعله يدفع المفسدة، وكل نهي وراءه مفسدة فالامتناع عنه يستجلب المصلحة، فهناك تداخلاً بين الأمر والنهي، بحيث ينظر للتشريع الإسلامي أن فيه تداخلاً للعلل بين المصالح والمفاسد، وهو ما يعبر عنه الإمام علي (ع) بقوله (الشَّرِيعَةُ صَلَاحُ الْبَرِيَّةِ).
2- الامتثال للتشريع ضمانة للبقاء والصلاح: عن الرضا (ع): (فَإِنْ قَالَ: لِمَ أَمَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ ونَهَاهُمْ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَقَاؤُهُمْ وصَلَاحُهُمْ إِلَّا بِالْأَمْرِ والنَّهْيِ وَالْمَنْعِ مِنَ الْفَسَادِ والتَّغَاصُبِ)، فالابتعاد عن التشريع يوقع الإنسان في الفساد وأن يدخل الإنسان مع أخيه في معركة التزاحمات فيأكل بعضهم بعضا، وهذا ما يفقد الاستقرار تماما، ويؤدي إلى فساد المجتمع ككل ويعرض الأعراض والأموال والنفائس والحياة بالابتعاد عن التشريع.
3- الواقع التكويني للعلل: ما دام التشريع مسنودا بالمصالح والمفاسد فإن له واقعا تكوينيا يمتد ليُحسِّن ويُؤصِل ويُعدِل واقع الإنسان في دنياه وآخرته، فيوسع أفقه في قراءته الكونية لطبيعة حياته الدنيوية، وأنها غير مقتصرة على قوانين هذه النشأة المادية الدنيوية، وأنه يعيش الدنيا للآخرة، فالجوانب المتعلقة بنشأة الدنيا منظورة في التشريع إلا أن المنظور الأساس هو أن عالم الدنيا هو في طول الآخرة. فتشريع الله ينظر للآخرة كأصل والدنيا كفرع لها، وهذا ما لا تستطيع التشريعات الوضعية ضمانه بناء على العقول التي تقصر عن فهم طبيعة الدنيا فضلا عن العالم الأخروي.
أصالة الآخرة في التشريع:
واقع الحياة أن فيها بسطاً وقبضاً، فعبر البسط يأتي الإنسان للحياة، وعبر القبض ينتقل في حركة رجوعية نحو الله عز وجل، (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)، فهذه الحركة تكوينية واقعية في الرجوع إلى الله عز وجل بينتها الآيات الكريمة: (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ)، (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى)، (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى).
ولكي تكون حركة الرجوع مستقيمةً فلا بد للإنسان من دليل ليتعامل مع الكون تعاملا صحيحا لكيلا يخالف التيار، فهذه الحركة سنة إلهية، والإتيان والرجوع إلى الله أمر لا بد منه (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)، فإما أن يكون الإتيان طوعاً باتباع التشريع أو كرهاً لإصلاح شأن الإنسان في هذا النظام، فلا بد من الرجوع واللقيا مع الله، فإما أن يبتعد الإنسان عن طريق الله فيقع في المفاسد ويفوت المصالح أو أن يتماشى ويتماهى مع حركة الكون لئلا يكون جسماً غريباً فيرفضه ويحاربه الكون كرها، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
التشكيك والرفض ومحاكمة التشريعات:
عندما لا يقتنع شخص ويبدأ في محاكمة التشريع، فإنه يقوم بالتشكيكات والرفض للتشريع ومنابعه والطرق الموصلة إليه، فإما يضرب في التشريع رغم كونه من المسلمات فيصل للكفر، أو يُأول التشريعات بما لا يقبل التأويل أو يحاول استبدال التشريع بما يميله عليه عقله من خلال الضرب فيمن أثبت هذا التشريع لمن قوله حجة (الإمام المعصوم والفقهاء الجامعون للشرائط).
المصالح والمفاسد المتفق عليها لدى العقلاء غير كافية في حد ذاتها للتشريع، فقد تكون هناك مصالح تتضارب مع مفسدة منكشفة، أو أن هناك اشتباكا بين العلل والمفاسد، أو أن هناك مصالح أو مفاسد لا تعلم إلا في عالم الآخرة، فكيف يتم رفض تشريع إلهي بعد ثبوته قطعيا إلى الله، وإحلال تشريع وضعي لا يؤمن به أهل هذا التشريع فيتم فرضه على الآخرين لكون العقل لا يؤمن به ولا يذعن له؟
المسألة وراءها تعقيدات واشتباكات عللية لا يدركها إلا المعصوم، فكيف يتم إبداء الرأي في أمور واقتراح إلغاء التشريع؟ ويتم طرح اقتراحات تضرب في تشريعات الله رغم عدم الجزم بانتسابها لله أصلاً، وأخرى مع معرفة يقينة بانتساب التشريع لله، وهذا ما يخالف التعبد والتسليم بما جاء به رسول الله (ص)، فأي عقل أمام حكمة الله عز وجل؟!
نسبة الرواية للإمام الرضا (ع):
عن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال قلت للفضل بن شاذان لما سمعت منه هذه العلل أخبرني عن هذه العلل التي ذكرتها (عن الاستنباط والاستخراج وهي من نتائج العقل) أو (هي مما سمعته ورويته) فقال لي ما كنت لأعلم مراد الله تعالى بما فرض ولا مراد رسول الله (ص) بما شرع وسن ولا أعلل ذلك من ذات نفسي بل سمعتها من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) المرة بعد المرة والشيء بعد الشيء فجمعتها فقلت له فأحدث بها عنك عن الرضا (ع) قال نعم.
وهذا كان من اهم أدوار الإمام الرضا (ع) في عصر الشبهات والتشكيكات فجاء بهذه العلل حتى يرفع شبهة أن التشريع جاء من واقع تعبد خلص، بحيث أنه قد يستشكل البعض جزافا واعتباطا اختبار الله لتعبد خلقه، ليجيب الإمام أن لكل شيء علة وأن التعبد استناد إلى الإيمان بهذه العلة حتى لو لم تكن منكشفة للإنسان، فهذا ما مارسه الإمام الرضا (ع) وهو مركز وظيفته في الإمامة التي جعلت الظلمة يعيشون امتعاضا من دوره وتأثيره في تلك الفترة.
تغطية مصورة - ذكرى إستشهاد الإمام الرضا ( ع ) 1443 هجرية - الخطيب الشيخ علي الجفيري
تغطية مصورة - ليلة 16 صفر 1443 هجرية - الخطيب الشيخ محمد الشيخ
تغطية مصورة - ليلة 16 صفر 1443 هجرية - الخطيب الشيخ محمد الشيخ
تغطية مصورة - ليلة 15 صفر 1443 هجرية - الخطيب السيد علوي الشهركاني
تغطية مصورة - ليلة 15 صفر 1443 هجرية - الخطيب السيد علوي الشهركاني
تغطية مصورة - ليلة 14 صفر 1443 هجرية - الخطيب الملا هاني التوبلاني
تغطية مصورة - ليلة 14 صفر 1443 هجرية - الخطيب الملا هاني التوبلاني
تغطية مصورة - ليلة 13 صفر 1443 هجرية - الخطيب الملا محمد عليوي
تغطية مصورة - ليلة 13 صفر 1443 هجرية - الخطيب الملا محمد عليوي
تغطية مصورة - ليلة 12 صفر 1443 هجرية - الخطيب الشيخ مهدي الكرزكاني
تغطية مصورة - ليلة 12 صفر 1443 هجرية - الخطيب الشيخ مهدي الكرزكاني
تغطية مصورة - ليلة 11 صفر 1443 هجرية - الخطيب السيد موسى البلادي
تغطية مصورة - ليلة 11 صفر 1443 هجرية - الخطيب السيد موسى البلادي
تغطية مصورة - ليلة 10 صفر 1443 هجرية - الخطيب السيد موسى البلادي
تغطية مصورة - ليلة 9 صفر 1443 هجرية - الخطيب السيد علوي الشهركاني
More...
تغطية مصورة - ليلة 8 صفر 1443 هجرية - الخطيب الملا الياس المرزوق
تغطية مصورة - ليلة 8 صفر 1443 هجرية - الخطيب الملا الياس المرزوق
تغطية مصورة - إستشهاد الإمام حسن المجتبى ( ع ) 1443 هجرية - الخطيب الشيخ رجائي البارباري
تغطية مصورة - إستشهاد الإمام حسن المجتبى ( ع ) 1443 هجرية - الخطيب الشيخ رجائي البارباري
ملخص محاضرة - إستشهاد الإمام حسن المجتبى ( ع ) 1443 هجرية - الخطيب الشيخ علي الجفيري -
(مواقف تنسب للإمام الحسن (ع) مع أبيه (ع) بين الكذب والحقيقة):
- مقدمة:
ورد عن الإمام علي عليه السلام قوله للإمام الحسن (ع): وَجَدْتُكَ بَعْضِي، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِينِي مِنْ أَمْرِ نَفْسِي فَكَتَبْتُ إِلَيْكَ كِتَابِي مُسْتَظْهِراً بِهِ إِنْ أَنَا بَقِيتُ لَكَ أَوْ فَنِيتُ
لم تكن العلاقة التي تربط بين الحسن وأمير المؤمنين (ع) علاقة مجردة عادية بين أب بابنه، فالخصوصية المتوفرة في الطرفين كإمامين معصومين، يعرف التابع منهما قدر المتبوع، ولكن محاولات التشويه لشخصية الإمامين أمير المؤمنين والحسن عليهما السلام عبر تشويه شخصية الحسن كانت محاولات متتالية باءت بالفشل، وقد افتعل الأمويين وأزلامهم كذباً وتشويهاً في تفسير العلاقة بين الإمامين عليهما السلام، ولتوضيح حقيقة العلاقة بين الإمامين عليهما السلام، نستعرض ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: بيان بعض المواقف المنسوبة إلى الإمام الحسن بينه وبين أمير المؤمنين:
الرواية الأولى: أنساب الأشراف للبلاذري ج 3 ص12 (11) - وقال عليّ لابنه الحسن- ورآه يتوضأ: أسبغ الوضوء. فَقَالَ: قد قتلتم أمس رجلا (كذا) كَانَ يسبغ الوضوء. فَقَالَ علي: لقد أطال الله حزنك على عثمان!!!
الرواية الثانية:
سير أعلام النبلاء – شمس الدين الذهبي ج 4 ص 336(الوَاقِدِيُّ: حدَّثنا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجْنَا إِلَى الجَمَلِ سِتَّ مائَةٍ، فَأَتَينَا الرَّبَذَةَ، فَقَامَ الحَسَنُ فَبَكَى، فَقَالَ عَلِيٌّ: تَكلَّمْ وَدَعْ عَنْكَ أَنْ تَحِنَّ حَنِينَ الجَارِيَةِ, قَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ أَشَرْتُ عَلَيْكَ بِالمقَامِ، وَأَنَا أُشيْرُهُ الآنَ, إِنَّ لِلْعَرَبِ جَولَةً، وَلَوْ قَدْ رَجَعَتْ إِلَيْهَا عَوَازِبُ أَحلاَمِهَا قَدْ ضَرَبُوا إِلَيْكَ آبَاطَ الإِبِلِ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوكَ، وَلَوْ كُنْتَ فِي مِثْلِ جُحْرِ ضَبٍّ. قال: أتراني -لا أبا لك- كُنْتُ مُنتَظراً كَمَا يَنتَظرُ الضَّبُعُ اللَّدْمَ).
- النقطة الثانية: تقييم ومناقشة للروايات:
هل يمكن التعويل والبناء على هذه الروايات أم انها مرفوضة، وهنا تطرح ثلاث جهات للمناقشة:
الجهة الأولى: رواة الحديث: هناك خصوصيات في ناقل الروايات قد يوجب رفع اليد عن هذا النقل، فمعرفة أن الناقل يتصف بعدم الحيادية أو الكذب أو الوضع أو النصب والعداوة لأمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام، فهذا ما يوجب وهن ورفض هذا النقل، وهذه الروايات من أصل الصدور محل تأمل ورفض من جهة الرواة والسند، فرواية الوضوء التي تفرد بها البلاذري لا يمكن الأخذ بها لكون شخصيته منادمة للخلفاء وقد رواها عن رواة متوقف في أمرهم كالمدائني أو مطعون فيهم كقتادة، وأما بالنسبة للرواية الثانية ففيها رواة نواصب ووضاع وكذاب ومعادين لأهل البيت ومتوقف في أمرهم.
الجهة الثانية: مضامين الروايات:
في الرواية الأولى فالمضامين المنسوبة كفعل وقول لكلا الإمامين (ع) مرفوضة، ومضمون الرواية غريب فهل الإمام الحسن (ع) يجهل كيفية الوضوء؟ إضافة إلى المضامين التي فيها إساءة أدب ومخالفة واتهام للإمام علي (ع) بقتل عثمان، ومثل هذه التهمة مخالفة لحقيقة تأريخية لم يخالفها إلا الأمويون، وهي أن الإمام علي (ع) بريء من مقتل عثمان، ولم ينسب له هذه التهمة عدا الأمويين الذين كان لهم مصلحة في هذا الاتهام، وبعض النقولات تذكر بأن الإمام علي (ع) (إن صح النقل) قد أرسل الحسنين درءا للفتنة وأنه بالغ في النصيحة لكلا الطرفين عثمان والثوار، وأنه قد اعتزل الأمر عند انسداد أبواب النصح، فإذا صح النقل أنه قد أرسل الحسنين (ع) (حسب الزعم الروائي) فكيف ينسب للإمام الحسن اتهامه لأبيه بقتل عثمان؟
مضمون الرواية الثاني غريب لاحتوائه على إساءة أدب من كلا الطرفين، ولا يمكن الأخذ به لمنافاته للعصمة فضلاً عن الحرمة بين المؤمنين، كما يحتوى أمراً لا يصح صدوره من الحسن لأبيه، وهذه الروايات تعارض الحقائق التاريخية الثابتة في نصرة الامام الحسن (ع) التامة لأبيه، وأن الإمام علي (ع) أرسل الحسن وعماراً إلى الكوفة ليستنهض أهلها، وعند وصول الحسن (ع) عزل أبا موسى الاشعري الذي كان يثبط الناس عن نصرة علي عليه السلام، وخطب الحسن (ع) في الناس وألبهم لنصرة الامام علي (ع) وجمع 12 ألف شخص، وقد أبلى بلاءً حسناً في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين، حتى قال عنه الإمام علي (ع) (امْلِكُوا عَنّي هذَا الْغُلَامَ لَا يَهُدَّنِي، فَإِنَّنِي أَنْفَسُ بِهذَيْنِ (يَعْني الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ عليهما السلام) عَلَى الْمَوْتِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ بِهِمَا نَسْلُ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وآله.)
الجهة الثالثة:
مثل هذه الروايات تؤسس لوجود خلاف بين المعصومين لا يمكن وقوعه إلا بنقض احدى العصمتين.
ثالثا- بيان الضابطة العامة التي تقرأ على ضوءها هذه الروايات:
هل يمكن لمعصومين ثابتة عصمتهما أن يختلفا؟
هذا السؤال يتعلق بعدة قضايا وردت في الآيات القرآنية والأحاديث، منها قضية الخضر وموسى، وقضية موسى وهارون، ومنها ما ينسب إلى الزهراء (ع) مع أمير المؤمنين (ع)، ومنها ما يُدعى من خلاف بين الحسنين في مسألة الصلح.
الخلافات المدعاة بين المعصومين لها موارد متعددة، وكيفية التعاطي مع هذه الموارد عبر السؤال عن ثبوتها من ناحية الإمكان العقلي فهل يمكن لمعصومين أن يختلفا أم لا، ولتحديد الإجابة يجب تحديد الموضوع، والذي يأتي عبر صور مختلفة.
الأمور المعاشية: الخلاف بين معصومين في أمور معاشية فردية كـ (اشتهاء الأكل)، وهي أمور طبيعية لا مساس لها بالإمامة وهو ممكن الوقوع ثبوتا.
التفاوت المقامي بين المعصومين: من حيث القرب من الله، وهو ثابت قرآنا ورواية، ومن المسلمات أفضلية رسول الله (ص) على بقية المعصومين. ومثل هذا التفاوت المقامي ممكن.
الاختلاف بين المعصومين:
المشكلة هي في افتراض خلاف بين معصومين يضرب في حجية كلاً منهما، ما يؤدي إلى ضرب أصل العصمة كما في مسألة التبليغ وإدارة الأمة وتطبيق موضوع الإمامة، فأن يقول إمام بأصلحية أمر لهذه الأمة بينما يرى إمام آخر أن الأصلح في خلافه، فإما أن يكون كلام الأول هو الحجة أو الآخر بما يشكل ضربا ونقضا في عصمة وحجية أحدهما، فإذا أدى الاختلاف في هذ الشأن لضرب عصمتهما فهو مرفوض ثبوتا وعقلا بعد ثبوت العصمة فيهما.
البحث الاثباتي المنقح لهذه القاعدة الثبوتية
هل ما وقع بين الامامين خلاف من هذا القبيل؟
التأويلات قد تخرج هذا الخلاف مع جمع القرائن وتجعله ممكنا، كاختلاف المعصومين في مسألة بشكل صوري من باب (إياك أعني واسمعي يا جارة) أو من باب تبيين الحكم، أو رفع صورة الخلاف بحيث يُرجع ما في الرواية إلى سياقه.
الشمة الأموية في روايات القدح بالحسن (ع):
وبالنسبة للروايات الواردة بخصوص علاقة أمير المؤمنين بالحسن عليهما السلام فلا محل ولا حاجة لمثل هذه التأويلات لكون الشمة الأموية التي تزكم الأنوف قد أوجدت مثل هذا الخلاف بحيث لا يخلو الأمر -لو صح الخلاف- بالإساءة لكليهما أو أحدهما وهو مرفوض، حتى وصل الأمر باتهام البعض للحسن (ع) أنه كان عثمانيا بكل ما في الكلمة من معنى، واتضح أن أصحاب هذه الروايات اتصفوا بالوضع والكذب ونصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام.
إساءة الأصحاب والأقرباء للحسن (ع):
إذا كان أعداء الحسن (ع) قد اعتدوا على جسده وسمعته، فاعتداءاتهم مفضوحة، وهذه الإساءات الموجهة للحسن (ع) ليست أول الإساءات فأعظم الإساءات التي وجهت للإمام جاءت من الأصحاب والأحباب والأقرباء، وأشدها عندما يعترض عليه المعترضون فيدخل عليه أحدهم بهذا السلام (السلام عليك يا مذل المؤمنين) وهو معزهم، أو كقول أحدهم (أما والله لقد وددت أنك مت في ذلك ومتنا معك ثم لم نر هذا اليوم) فأين الأدب مع المعصومين من أتباعهم، وكيف يمكن صدور هذه الكلمات ممن يعرف مقامه؟