Tuesday, 14 September 2021 21:07

ملخص محاضرة - إستشهاد الإمام حسن المجتبى ( ع ) 1443 هجرية - الخطيب الشيخ علي الجفيري -

Rate this item
(0 votes)

 

 (مواقف تنسب للإمام الحسن (ع) مع أبيه (ع) بين الكذب والحقيقة):

- مقدمة:

ورد عن الإمام علي عليه السلام قوله للإمام الحسن (ع): وَجَدْتُكَ بَعْضِي، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِينِي مِنْ أَمْرِ نَفْسِي فَكَتَبْتُ إِلَيْكَ كِتَابِي مُسْتَظْهِراً بِهِ إِنْ أَنَا بَقِيتُ لَكَ أَوْ فَنِيتُ

 

لم تكن العلاقة التي تربط بين الحسن وأمير المؤمنين (ع) علاقة مجردة عادية بين أب بابنه، فالخصوصية المتوفرة في الطرفين كإمامين معصومين، يعرف التابع منهما قدر المتبوع، ولكن محاولات التشويه لشخصية الإمامين أمير المؤمنين والحسن عليهما السلام عبر تشويه شخصية الحسن كانت محاولات متتالية باءت بالفشل، وقد افتعل الأمويين وأزلامهم كذباً وتشويهاً في تفسير العلاقة بين الإمامين عليهما السلام، ولتوضيح حقيقة العلاقة بين الإمامين عليهما السلام، نستعرض ثلاث نقاط:

النقطة الأولى: بيان بعض المواقف المنسوبة إلى الإمام الحسن بينه وبين أمير المؤمنين:

الرواية الأولى: أنساب الأشراف للبلاذري ج 3 ص12 (11) - وقال عليّ لابنه الحسن- ورآه يتوضأ: أسبغ الوضوء. فَقَالَ: قد قتلتم أمس رجلا (كذا) كَانَ يسبغ الوضوء. فَقَالَ علي: لقد أطال الله حزنك على عثمان!!!

الرواية الثانية:

سير أعلام النبلاء – شمس الدين الذهبي ج 4 ص  336(الوَاقِدِيُّ: حدَّثنا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجْنَا إِلَى الجَمَلِ سِتَّ مائَةٍ، فَأَتَينَا الرَّبَذَةَ، فَقَامَ الحَسَنُ فَبَكَى، فَقَالَ عَلِيٌّ: تَكلَّمْ وَدَعْ عَنْكَ أَنْ تَحِنَّ حَنِينَ الجَارِيَةِ, قَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ أَشَرْتُ عَلَيْكَ بِالمقَامِ، وَأَنَا أُشيْرُهُ الآنَ, إِنَّ لِلْعَرَبِ جَولَةً، وَلَوْ قَدْ رَجَعَتْ إِلَيْهَا عَوَازِبُ أَحلاَمِهَا قَدْ ضَرَبُوا إِلَيْكَ آبَاطَ الإِبِلِ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوكَ، وَلَوْ كُنْتَ فِي مِثْلِ جُحْرِ ضَبٍّ. قال: أتراني -لا أبا لك- كُنْتُ مُنتَظراً كَمَا يَنتَظرُ الضَّبُعُ اللَّدْمَ).

 

- النقطة الثانية: تقييم ومناقشة للروايات:

هل يمكن التعويل والبناء على هذه الروايات أم انها مرفوضة، وهنا تطرح ثلاث جهات للمناقشة:

الجهة الأولى: رواة الحديث: هناك خصوصيات في ناقل الروايات قد يوجب رفع اليد عن هذا النقل، فمعرفة أن الناقل يتصف بعدم الحيادية أو الكذب أو الوضع أو النصب والعداوة لأمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام، فهذا ما يوجب وهن ورفض هذا النقل، وهذه الروايات من أصل الصدور محل تأمل ورفض من جهة الرواة والسند، فرواية الوضوء التي تفرد بها البلاذري لا يمكن الأخذ بها لكون شخصيته منادمة للخلفاء وقد رواها عن رواة متوقف في أمرهم كالمدائني أو مطعون فيهم كقتادة، وأما بالنسبة للرواية الثانية ففيها رواة نواصب ووضاع وكذاب ومعادين لأهل البيت ومتوقف في أمرهم.

 

الجهة الثانية: مضامين الروايات:

في الرواية الأولى فالمضامين المنسوبة كفعل وقول لكلا الإمامين (ع) مرفوضة، ومضمون الرواية غريب فهل الإمام الحسن (ع) يجهل كيفية الوضوء؟ إضافة إلى المضامين التي فيها إساءة أدب ومخالفة واتهام للإمام علي (ع) بقتل عثمان، ومثل هذه التهمة مخالفة لحقيقة تأريخية لم يخالفها إلا الأمويون، وهي أن الإمام علي (ع) بريء من مقتل عثمان، ولم ينسب له هذه التهمة عدا الأمويين الذين كان لهم مصلحة في هذا الاتهام، وبعض النقولات تذكر بأن الإمام علي (ع) (إن صح النقل) قد أرسل الحسنين درءا للفتنة وأنه بالغ في النصيحة لكلا الطرفين عثمان والثوار، وأنه قد اعتزل الأمر عند انسداد أبواب النصح، فإذا صح النقل أنه قد أرسل الحسنين (ع) (حسب الزعم الروائي) فكيف ينسب للإمام الحسن اتهامه لأبيه بقتل عثمان؟

مضمون الرواية الثاني غريب لاحتوائه على إساءة أدب من كلا الطرفين، ولا يمكن الأخذ به لمنافاته للعصمة فضلاً عن الحرمة بين المؤمنين، كما يحتوى أمراً لا يصح صدوره من الحسن لأبيه، وهذه الروايات تعارض الحقائق التاريخية الثابتة في نصرة الامام الحسن (ع) التامة لأبيه، وأن الإمام علي (ع) أرسل الحسن وعماراً إلى الكوفة ليستنهض أهلها، وعند وصول الحسن (ع) عزل أبا موسى الاشعري الذي كان يثبط الناس عن نصرة علي عليه السلام،  وخطب الحسن (ع) في الناس وألبهم لنصرة الامام علي (ع) وجمع 12 ألف شخص،  وقد أبلى بلاءً حسناً في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين، حتى قال عنه الإمام علي (ع) (امْلِكُوا عَنّي هذَا الْغُلَامَ لَا يَهُدَّنِي‌، فَإِنَّنِي أَنْفَسُ‌ بِهذَيْنِ (يَعْني الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ عليهما السلام) عَلَى الْمَوْتِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ بِهِمَا نَسْلُ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وآله.)

 

الجهة الثالثة:

مثل هذه الروايات تؤسس لوجود خلاف بين المعصومين لا يمكن وقوعه إلا بنقض احدى العصمتين.

 

ثالثا- بيان الضابطة العامة التي تقرأ على ضوءها هذه الروايات:

هل يمكن لمعصومين ثابتة عصمتهما أن يختلفا؟

هذا السؤال يتعلق بعدة قضايا وردت في الآيات القرآنية والأحاديث، منها قضية الخضر وموسى، وقضية موسى وهارون، ومنها ما ينسب إلى الزهراء (ع) مع أمير المؤمنين (ع)، ومنها ما يُدعى من خلاف بين الحسنين في مسألة الصلح.

الخلافات المدعاة بين المعصومين لها موارد متعددة، وكيفية التعاطي مع هذه الموارد عبر السؤال عن ثبوتها من ناحية الإمكان العقلي فهل يمكن لمعصومين أن يختلفا أم لا، ولتحديد الإجابة يجب تحديد الموضوع، والذي يأتي عبر صور مختلفة.

الأمور المعاشية: الخلاف بين معصومين في أمور معاشية فردية كـ (اشتهاء الأكل)، وهي أمور طبيعية لا مساس لها بالإمامة وهو ممكن الوقوع ثبوتا.

التفاوت المقامي بين المعصومين: من حيث القرب من الله، وهو ثابت قرآنا ورواية، ومن المسلمات أفضلية رسول الله (ص) على بقية المعصومين. ومثل هذا التفاوت المقامي ممكن.

الاختلاف بين المعصومين:

المشكلة هي في افتراض خلاف بين معصومين يضرب في حجية كلاً منهما، ما يؤدي إلى ضرب أصل العصمة كما في مسألة التبليغ وإدارة الأمة وتطبيق موضوع الإمامة، فأن يقول إمام بأصلحية أمر لهذه الأمة بينما يرى إمام آخر أن الأصلح في خلافه، فإما أن يكون كلام الأول هو الحجة أو الآخر بما يشكل ضربا ونقضا في عصمة وحجية أحدهما، فإذا أدى الاختلاف في هذ الشأن لضرب عصمتهما فهو مرفوض ثبوتا وعقلا بعد ثبوت العصمة فيهما.

 

البحث الاثباتي المنقح لهذه القاعدة الثبوتية

هل ما وقع بين الامامين خلاف من هذا القبيل؟

التأويلات قد تخرج هذا الخلاف مع جمع القرائن وتجعله ممكنا، كاختلاف المعصومين في مسألة بشكل صوري من باب (إياك أعني واسمعي يا جارة) أو من باب تبيين الحكم، أو رفع صورة الخلاف بحيث يُرجع ما في الرواية إلى سياقه.

الشمة الأموية في روايات القدح بالحسن (ع):

وبالنسبة للروايات الواردة بخصوص علاقة أمير المؤمنين بالحسن عليهما السلام فلا محل ولا حاجة لمثل هذه التأويلات لكون الشمة الأموية التي تزكم الأنوف قد أوجدت مثل هذا الخلاف بحيث لا يخلو الأمر -لو صح الخلاف- بالإساءة لكليهما أو أحدهما وهو مرفوض، حتى وصل الأمر باتهام البعض للحسن (ع) أنه كان عثمانيا بكل ما في الكلمة من معنى، واتضح أن أصحاب هذه الروايات اتصفوا بالوضع والكذب ونصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام.

إساءة الأصحاب والأقرباء للحسن (ع):

إذا كان أعداء الحسن (ع) قد اعتدوا على جسده وسمعته، فاعتداءاتهم مفضوحة، وهذه الإساءات الموجهة للحسن (ع) ليست أول الإساءات فأعظم الإساءات التي وجهت للإمام جاءت من الأصحاب والأحباب والأقرباء، وأشدها عندما يعترض عليه المعترضون فيدخل عليه أحدهم بهذا السلام (السلام عليك يا مذل المؤمنين) وهو معزهم، أو كقول أحدهم (أما والله لقد وددت أنك مت في ذلك ومتنا معك ثم لم نر هذا اليوم) فأين الأدب مع المعصومين من أتباعهم، وكيف يمكن صدور هذه الكلمات ممن يعرف مقامه؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Read 285 times

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.