كرة بعد كرة، وعودة بعد رجعة
ورد في خطبة الافتخار عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (ع) في حديث، قال:
ومن أنكر أن لي في الأرض كرة بعد كرة، ودعوة بعد دعوة، وعودة بعد رجعة، حديثاً كما كنت قديماً، فقد رد علينا، ومن رد علينا فقد رد على الله
مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين(ع) - الحافظ رجب البرسي
شبهة اتحاد سقف المعارف
شبهة تثار بأن الإسلام لا يوجد في معارفه غوامض ولا أسرار، فالإسلام هو ما يفهمه الجميع، وأما أن يتم تقسيم الناس إلى عامة وخاصة وحملة أسرار، فهذا لا يوجد في الإسلام لأن سقف المعارف واحد.
الجواب على الشبهة:
في كتاب الله (لوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)، قد يقال أننا أهل تعقل وقد نزل علينا القرآن فما تصدع فينا أحد، فالنزول ليس على نحو المصحف الذي بأيدينا ولا على نحو التلاوة، وإنما النزول المقصود هو بيان الأسرار والغوامض والمعارف العميقة من القرآن الكريم، فلو تجلت الأسرار والغوامض والمعارف لما هو صلب كالجبل لساخ ونسف.
عدم تحمل أباذر لعلم سلمان:
في الرواية عن الإمام السجاد عليه السلام (لَوْ عَلِمَ أَبُو ذَرٍّ مَا فِى قَلْبِ سَلْمَانَ لَقَتَلَهُ، وَ لَقَدْ ءَاخَى رَسُولُ اللَهِ بَيْنَهُمَا؛ فَمَا ظَنُّكُمْ بِسَآئِرِ الْخَلْقِ؟! إنَّ عِلْمَ الْعُلَمَآء صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ، لَا يَحْتَمِلُهُ إلَّا نَبِىٌّ مُرْسَلٌ أَوْ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللَهُ قَلْبَهُ لِلإيمَانِ). وفسر الشريف المرتضى في كتابه (غرر الفوائد ودرر القلائد) (و من أجود ما قيل فى تأويله أن الهاء فى قوله: «لقتله» راجعة إلى المطّلع لا إلى المطّلع عليه؛) أي أنه لو علم أبوذر علم سلمان، لقتل علم سلمان أباذر، العلم المعرفة الأسرار الغوامض.
سقف المعارف متعدد له عمق وله سطح:
في الرواية أنه أتى الحسين عليه السلام أناس فقالوا له: يا أبا عبد الله حدثنا بفضلكم الذي جعل الله لكم. فقال إنكم لا تحتملونه ولا تطيقونه. قالوا: بلى نحتمل. قال: إن كنتم صادقين فليتنح إثنان وأحدث واحدا، فإن احتمله حدثتكم. فتنحى إثنان وحدث واحدا، فقام طائر العقل، ومر على وجهه وذهب، فكلمه صاحباه فلم يرد عليهما شيئا وانصرفوا.
وفي رواية أخرى أتى رجل الحسين بن علي عليهما السلام فقال: حدثني بفضلكم الذي جعل الله لكم. قال عليه السلام: إنك لن تطيق حمله. قال: بلى حدثنى يابن رسول الله إني أحتمله. فحدثه بحديث، فما فرغ الحسين عليه السلام من حديثه حتى ابيض رأس الرجل ولحيته، وأُنسيَ الحديث. فقال الحسين عليه السلام: أدركته رحمة الله حيث أُنسي الحديث.
وفي الحديث عن النبي (ص) إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلى قَدْرِ عُقُولِهِمْ.
التقوى العلمية والتسليم:
فعندما نواجه معرفة أو سراً أو أمرا لا نتحمله أو نطيقه، فهل يعقل أن نكذب الخبر أم نواجه القضايا بالتسليم، العلامة المجلسي يقول (ليس من طريقة الأخيار تكذيب الأخبار).
فعندما لا نعقل أمر ينبغي أن نمارس التقوى العلمية عند مجابهة سر من الأسرار لا نطيقه فالمفترض أن يسلم بها دون أن ينكر، وهناك من يستفسر بصيغة الاستنكار لا الاستفهام، وهذا أمر غير صحيح، للمستمع الحق في الاستفسار من الخطيب بصيغة الاستفهام للاستعلام لا الاستنكار والتكذيب. وليترك التخصص إلى أهله.
ازدواجية التسليم:
هناك ازدواجية في التسليم عند البعض، فهو يقبل ويسلم بكل ما يقول به الطبيب والميكانيكي وأهل التخصص، إلا أنه يفرض نفسه ورأيه عندما يصل إلى الدين، فلا بد أن نعيش صحوة، وهناك أيدي خفية تعمل على تكذيب الخطباء وتسقيط المنبر، المنبر أمانة الأجداد، وقد عرفنا قيمته عندما حرمنا من الحضور في العام الماضي، ولذلك فلا يمكن السماح لأي أحد بتسقيطه.
التعامل مع الروايات التاريخية
يسأل أحدهم هل الرواية التاريخية صحيحة سنداً؟ ومن قال بأن الروايات الصحيحة سنداً ينظر إليها في القضايا التاريخية؟ فكيف تطبق المعايير المطبقة على الفقه في المسائل أو القضايا التاريخية؟ ومن قال بأن الخبر أو الرواية الصحيحة يمكن الأخذ بها؟ قد تكون هناك رواية صحيحة سندا يضرب بها عرض الحائط. وهل لديك الإلمام والتخصص والأدوات والخبرة في علم الرجال والتي تؤهلك لتحديد صحة الرواية من عدمه؟ الاستفهام مقبول والاستنكار مرفوض، فبالحوار تتسع المفاهيم، وبه تتسع الأفكار، وبه تصل المسائل إلى المستمع، فإذا واجهنا قضية من القضايا لا نتحمله، فينبغي البحث عنها لدى أهل الاختصاص أو التسليم بها.
قضية الرجعة:
من المسائل المطروحة مسألة الرجعة، فيقف البعض لينفي قضية الرجعة لكونها غير صحيحة وغير ثابتة، وهذا الحديث ناتج عن سوء فهم لعبارة العلماء الذين يقولون (الرجعة من الضرورات، ونؤمن بها إجمالا) أي أن ثبوتها متحقق ولكن هناك بعض التفاصيل غامضة ولذلك نؤمن بتفاصيلها على نحو الإجمال إلى حين اتضاحها، ومن أمثلة التفاصيل محل بحث العلماء قضية الشخصيات التي سيؤذن لها بالعودة (الأئمة، الأئمة والأولياء، غيرهم)، فعدم وضوح تفاصيل القضية لا ينفي أصلها ولا يبرر نكران القضية، فالآيات دل على عودة الأئمة وعقيدة الرجعة، ويشير العلماء ان هناك قضايا قد تكون نظرية في زمن ما وتتضح تفاصيلها بعد عشرات السنين.
منكري عقيدة الرجعة:
- بعض الشيعة: قالوا أن القضية غير صحيحة ولا دليل عليها، ومن المستغرب نكرانهم الأمر رغم أن أكثر زيارات الأئمة تلهج بعقيدة الرجعة، فإما أن يعترف بصحتها أو أن يتم حذفها من كتب الزيارات.
- علماء المذاهب الأخرى: عندما يتطرقون لتفسير آيات الرجعة فإنهم يشيرون باستنكار غير علمي ويعلقون بألفاظ غير لائقة لا تتناسب مع الحوار العلمي.
- حرب الغرب على العقائد الملهمة: عقيدة الرجعة فيها إلهام، ولذلك فقد عمل الغرب على تشويه وتسقيط العقائد الملهمة وعقيدة الرجعة عبر صناعة الأفلام التي تصور مصير الحضارة نتيجة للرجعة وذلك بشكل قبيح يتقزز منه الإنسان، وذلك بغرض تشويه هذه العقيدة بما يضمن لهم الربط السلبي بين اللقطات المصورة وبين العقائد الحقة.
رجعة الأئمة:
يظهر الإمام صاحب العصر والزمان ويملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملأت ظلما وجوراً، وللأئمة رجعة ودولة، وللحسين كربلاء أخرى تختلف عن كربلاء الدنيا التي سار لها.