الإمامة والوساطة في الفيض
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)
سورة الإسراء
مفهوم الإمامة
كل موجود في عالم المادة يحتاج إلى عاملين أساسيين هما (المقتضي والواسطة)، فالمقتضي ما منه الوجود، والواسطة ما به فعلية الوجود، من أصغر ذرة إلى أعظم مجرة، كل شيء يحتاج إلى هذين العاملين، فعندما تتعلق مشيئة الله بإيجاد الجنين فهناك مقتضي (الله سبحانه وتعالى) والواسطة هي النطفة، كذلك الأمر عندما يتم تجسيد فكرة ما فهناك مقتضي (صاحب الفكرة) وهناك تجسيد للفكرة عبر واسطة (العوامل المادية).
فالدين لكي يصل إلى الإنسان فهو يحتاج إلى واسطة وحلقة موصلة، وهو النبي المصطفى (ص) والأئمة عليهم السلام. فمفهوم الإمامة هو الوساطة في الفيض سواء كان الفيض تشريعياً أو تكوينياً.
الفيض التشريعي: الأحكام التكليفية تصلنا بوساطة الرسول الأعظم (ص)، وتبيان الأحكام عبر الأئمة عليهم السلام.
الفيض التكويني: التدخل في النفوس القابلة للتغيير والتحول ولديها عزم حقيقي داخلي، وترغب في الوصول إلى الله، فالنبي (ص) يجتبيها ويأخذ بها للطريق الصحيح شريطة إرادة التغيير الداخلية كما تبينه الآية (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ)، فهناك هداية أمرية تمارس من قبل العلماء، وهداية خلقية عبر التدخل في نفوس الناس وهي خاصة للرسول (ص) وأهل البيت (ع)، وذلك بأن يأخذوا بأيدي الناس من الظلمات إلى النور.
وسوسة الشيطان: أشار القرآن الكريم إلى قضية وسوسة الشيطان وتدخله في النفوس والتي تقابل مسألة الهداية، وذلك في سورة الناس (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ)، فكما أن للشيطان تدخلاً في النفوس لإضلالها، فهناك تدخلاً ربانياً لهداية الناس من قبل الرسول (ص) وأهل البيت (ع) كما في الآية (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا).
تصرف النبي وأهل البيت في النفوس:
في الآية (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)، فهذه الولاية تدخل في النفوس، وذات الولاية ثابتة لأمير المؤمنين علي عليه السلام كما في قول النبي (ص) (من كنت مولاه فهذا علي مولاه). وفي الزيارة الجامعة (وَأَرْواحُكُمْ فِي الأرواح وَأَنْفُسُكُمْ فِي النُّفُوسِ)، فلهم القدرة على التصرف في الأرواح والنفوس.
أهداف بعثة الأنبياء:
هناك أهداف وغايات لبعثة الأنبياء هناك هدف أدنى (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) فهم حجة الله على خلقه، وهناك هدف أقصى وهو ممارسة الحكم وقد يتحقق كما في حكم النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع)، وقد لا يتحقق.
إشكالية: تعطل وظائف الإمام:
إذا كانت وظائف النبي (ص) ثابتة للأئمة (ع)، أليس غياب الإمام المهدي (ع) فيه تعطيل لهذه الوظائف والأدوار؟ فإما أن تكون الإمامة من الأصول أو ننفي وجود الإمام الثاني عشر.
الجواب:
فيما يختص بالهدف الأدنى فهو متحقق، وأما الهدف الأقصى فسيأتي اليوم الذي يتحقق فيه، والرواية عن الرسول (ص) وقد سئل: هل ينتفع الشيعة بالقائم (عليه السلام) في غيبته؟ فأجاب": إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب.
هناك حكومة فعلية تمارس الحكم بشكل مباشر، وهناك حكومة ظلية تمارس الحكم بلا بيان، وهذا ما أشار له الإمام الْقَائِمِ (ع): ( نِعْمَ الْمَنْزِلُ طَيْبَةُ وَمَا بِثَلَاثِينَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ مِنْ وَحْشَةٍ).
المتغير والثابت:
المتغيرات تركت للفقهاء، والثوابت إذا تعرضت لانحرافات فهي تحتاج إلى تصدي صاحب العصر والزمان (ع) من خلال الحكومة الظلية، فهو موجود ويمارس الأدوار، حيث قال عن يومه الرسول (ص): (وْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنيا إلاّ يَوْمٌ لَطَّولَ اللّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ حَتَّى يَمْلِكُ الاَرْضَ رَجُلٌ مِنِّي يَمْلوَ الاَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَـا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً)، وفي تفسير الإمام الصادق (ع) للآية (يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) قال: يجئ رسول الله (ص) في قومه ، وعلي في قومه ، والحسن في قومه ، والحسين في قومه ، وكل من مات بين ظهراني إمام جاء معه.