هل كان لقمان عبداً صالحا أم نبيا؟!
منذ القدم حظيت مواعظ لقمان باهتمام العلماء والحكماء،
هناك حكيم يدعى هوشنگ عاش قبل البعثة البشرية لديه كتاب بعنوان الحكمة الخالدة وقد ضمنه بعضا من مواعظ لقمان الحكيم،
وعلى صدر الإسلام هناك حكيم آخر يدعى سويد بن صامت وهو فرد من أفراد قبيلة الأوس التي كانت تسكن المدينة المنورة وقد جمع شيئا من حكم لقمان وضمنها في كتابٍ سماه بمجلة لقمان.
قيل أنَّ النبي (ص) طلب من سويد بن صامت أن يريه تلك المجلة فلما رآها النبي صلى الله عليه وآله وقرأ ما فيها قال إن هذا كلام حسن - ويقصد به مواعظ لقمان – وإن الكلام الذي معي أحسن منه وهو كلام الله عز وجل وبعدها قرأ النبي (ص) على سويد شيئا من سور القرآن الكريم.
وما نفهمه من هذين الشاهدين أن حكم لقمان كان لها حضورها التاريخي وكان العلماء والحكماء يهتمون بجمع حكمه وتوارثها جيلا بعد جيلا؛ وشخصية لقمان التي اشتهرت بالحكمة دعت بعض الناس لاستهداف شخصيته على مستويين:
- المستوى الأول: هناك من الحكم نسبت إلى لقمان ولكن لو فتشنا في المصادر فللا يوجد دليل على أنها تعود للقمان فعلاً.
- الحكمة الأولى: "كان لقمان ذات يوم جالسا إلى جانب عين ماء، فمرّ من هناك رجل فسأله: كم ساعة بقي لأصل إلى القرية التالية؟ فقال له لقمان: سِر. فظنّ الرجل أنّ لقمان لم يسمع كلامه، فأعاد عليه السؤال: ألم تسمع؟ سألتك كم ساعة بقي لأصل إلى القرية التالية؟ فقال له لقمان: سِر. فظنّ الرجل أنّ لقمان مجنون، ومضى على سبيله. فلم يمشِ الرجل إلاّ بضع خطوات حتّى صاح لقمان وراءه: ستصلها بعد ساعة. فقال له الرجل: لماذا لم تخبرني بذلك منذ البداية؟ فقال لقمان: لأنني لم أرَ سيرك، ولم أكن أعلم أسريع هو أم بطيء، فلمّا رأيت سيرك علمت أنّك ستصل إلى تلك القرية بعد ساعة".
- الحكمة الثانية: " قيل للقمان: مِمّن تعلّمت الحكمة؟ قال: من العِميان؛ لأنّهم لا يضعون أقدامهم في محلٍّ حتّى يختبروه".
الشيخ المحمدي الري شهري رحمه الله لديه كتاب بعنوان حكم لقمان يشير إلى أنه على رغم المشتهر بين الناس لهاتين الحكمتين إلا للقمان إلا أنه لا يوجد مصدر يشر إلى نسبتهما إليه.
وقد نسب هاتين الحمتين مثلا إلى لقمان من أجل اكتسابهما اعتباراً فما دام لقمان حكيما وتنسب إليه هذه القضايا فإنها ستكتسب اعتبار بين الناس وقد غاب عن من نسب هاتين الحكمتين وغيرهما أن قيمة الحكمة قيمة ذاتية وليست قضية اكتسابية فعليك أن تنظر إلى ما قيل وليس إلى من قال وعليك أن تأخذها ولو كانت صادرة من أفواه المجانين.
وهنا نقول بالرغم ما كان عليه لقمانٍ بمستوى في الحكمة إلا أنه من عجائب الدهر بأن ما سجل عن سيرته في التاريخ فهو سجل شحيح جدا وفي المقابل هناك أبو الفرج الأصفهاني وهو كاتب توجهاته أموية ترجم إلى ستين من المغنين والمغنيات وذكر مختلف ما يرتبط بتفاصيل حياتهم وأطوارهم؛ وما عسى أن يكون لأولئك المغنين شأنٌ في التاريخ؟!
ما الذي يدل على أن شخصية مثل لقمان الحكيم يتغافل عنها الدهر وتغفلها أقلام الكتاب؟!
هذا يدل على أن التاريخ كتب بتوجهات موجهة وبشكل عدواني وليس بشكل عشوائي.
الآراء في اسم لقمان ربما تصل إلى خمس أو ست فهناك من قال أن لقمان والده باعور بن تارح وهناك من قال أن والده ماحور بن تارح وكيفما ما كان فإن حسبه لم يكن معروفا ولم يكن مشهورا ويؤكد هذا المعنى ما ورد عن الإمام الصادق (ع): " أما والله ما أوتي لقمان الحكمة بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال".
ويبدو من هذه الرواية أن لقمان كان يفتقر إلى جمال الجسد الظاهري وفي مجمع البيان قيل للقمان: أي الناس شر؟ قال: الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئا.. وقيل له: ما أقبح وجهك! قال: تعيب على النقش أو على فاعل النقش؟
وهذا المعنى يتأكد وهو افتقار لقمان لجمال الجسد.
ومن حيث الانتماء العنصري فهو رجل زنجي وأنتم تعلمون ما هي لون البشرة التي يتميز بها الزنوج وما هي معالم وجوههم.
وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع): " إنّه كان أول عبد اعتق على اثر مكاتبته مع مولاه: أوّل من كاتب لقمان الحكيم، وكان عبدا حبشيا".
ومعنى ذلك أن لقمان هو أول مر حرر نفسه من خلال دفع المال.
متى ولد لقمان؟ وما هو تاريخ حياته؟
قيل أنه ولد في السنة العاشرة من حكم نبي الله داوود (ع) وأنه استمر بقاؤه إلى زمن النبي يونس (ع)، وهناك قول بأنه كان شيخا وأن داوود لما قتل جالوت كان لقمان في معية داوود وهناك رأي بأن لقمان عاش الفترة الفاصلة بين بعثة النبي عيسى (ع) وبعثة النبي (ص).
وليس بغريب أبداً أن يحصل الخلاف في تاريخ ولادة لقمان، فإذا كان أبو الفرج الأصفهاني يهتم لستين من المغنين والمغنيات فأين هي سيرة أبي الفضل العباس (ع) وأين هي سيرة علي الأكبر (ع) وأين هي سيرة السيدة زينب (ع) ؟
السيدة زينب عليها السلام التي تأتي في الرتبة الثانية في سلم التفاضل بنساء بني هاشم بعد أمها الزهراء يختلف المؤرخون في مرقدها بين مصر والشام والعراق؟! هذا يدل على أن التاريخ كتب بأقلام موجهة وضمن مشروع مدروس ولا تستغرب من هذا الأمر فالإمام علي (ع) لما ضرب على رأسه في المحراب ووصل خبر مقتله ولما قيل أنه قتل في المسجد قال البعض وهل كان علي يصلي حتى يقتل في محرابه؟!.
هل كان لقمان نبيا أم عبدا صالحا؟!
- مشهور مدرسة الخلافة والجمهور هو أن لقمان كان عبدا صالحا ولكن شذ بعض علمائهم عن هذا الرأي وقالوا بأن لقمان لم يكن عبدا صالحا وإنما كان نبيا وهم: عكرمة والسدي والشعبي.
- مدرسة أهل البيت (ع): حصل الإجماع بأن لقمان كان عبدا صالحا ولم يكن نبيا.