محاضرة ليلة 12 رمضان المبارك لسماحة الشيخ عبدعلي آل ضيف بمأتم الجواونة
﴿ ﴾
﴿ ﴾
﴿ ﴾
الإمام الخوئي وعلاقته بالقرآن الكريم
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾.
الحديث انطلاقاً من الآية المباركة سيكون تحت عنوان الإمام الخوئي وعلاقته بالقرآن الكريم، وفي ضوء هذا الحديث نحتاج إلى مقدمة وعرض وخاتمة.
- المقدمة: شخصية السيدة الخوئي
نحن لما نتحدث عن السيد أبي القاسم الخوئي فإننا نتحدث عن شخصية متوفقة وفقها الله تعالى بمقدارٍ ربما لم يوفق إليه من الفقهاء إلا القليلون.
وقد تحدث السيد السيستاني دام ظله عن الإمام الخوئي بقوله: "إن الإمام الخوئي قدس سره كان نموذج السلف الصالح بعبقريته الفذة ومواهبه الكثيرة وملكاته الشريفة التي أهلته لأن يعد في الطليعة من علماء الإمامية الذين كرسوا حياتهم لنصرة الدين والمذهب.
لقد نذر نفسه لخدمة العلم وكان همه التحقيق والتدقيق والبحث والتدريس وقد رافقه التوفيق وأعانته المشيئة الإلهية فربى أجيالا من العلماء والفضلاء الذين التفوا حول منبره الشريف ونهلوا من عذب فراته طول عقود من الزمن".
السيد الخوئي تحمل من شطف العيش ما تحمل وصبر على المعاناة ما صبر،
الدكتور محمد حسين الصغير ممن حضروا الأبحاث العالية للسيد الخوئي ألف كتاباً بعنوان قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف ويروي فيها قصة السيد الخوئي مع أستاذه الشيخ محمد البلاغي.
ومفاد تلك الرواية أن السيد الخوئي لما ضاقت به الدنيا وأتعبه الفقر ذهب لأستاذه الشيخ البلاغي فوجد أن أستاذه لا يملك مالا لشراء الشاي.
يقول السيد الخوئي: ذهبت إلى الشيخ محمد جواد البلاغي في شهر رمضان وأنا مصمم على ترك الحياة العلمية – وقتياً – والتوجه نحو العمل في بغداد نظراً للضائقة الاقتصادية المضنية، وآنذاك ذهبت لأستاذي أستشيره وعندما ذهبت وقرب الشيخ فوقع السؤال عن الحال، فقال الشيخ البلاغي: هذا شهر رمضان وأحن كثيرا إلى شرب قدحا من الشاي وليس إلى ذلك من سبيل إذ لا يتيسر لي ذلك، ووالدتي عندها شيء من السكر والشاي ولكن من مالها الخاص وأنا لا أجرأ أن أطلب منها ذلك، وأنا في حيرة بين الرغبة في الشاي و الإشفاق عن الطلب من الوالدة.
يقول السيد الخوئي: قلت في نفسي هذا أستاذي الأعظم على ما هو عليه من العلم والمنزلة الرفيعة لا يستطيع أن يشرب كأسا من الشاي في شهر رمضان وأنا أريد أن أترك حياة العلم لأني بائس محتاج؟ فقررت حينذاك الصبر على الجوع ومواصلة الدراسة مهما بلغ الأمر.
فليسمع وليعي الناس كم ضحوا علماؤنا، فأستاذ السيد الخوئي لم يكن لديه مقدارا من المال لشراء الشاي!.
الشيخ محمد باقر الإيرواني من أساتذة النجف الأشرف المعاصرين ينقل عن السيد محسن الحكيم فيقول إن السيد الحكيم كان يعترف للسيد الخوئي بالزعامة العلمية فيقول عنه حقا هو زعيم الحوزة العلمية،
مع أن السيد محسن الحكيم كان المرجع العام آنذاك إلا أنه كان يعترف للسيد الخوئي بزعامته للحوزة العلمية.
- العرض: معالم السيد الخوئي في الجانب القرآني وعلاقته بالقرآن الكريم.
- المعلم الأول: اهتمام السيد الخوئي وولعه بالقرآن الكريم منذ أن كان صبيا صغيراً.
وقد كان يقول (قدس سره) عن القرآن: أولعت منذ صباي بتلاوته، واستيضاح معانيه، واستظهار مراميه، فكان هذا الولع يشتد بي كلما استوضحت ناحية من نواحيه، واكتشفت سرا من أسراره، وكان هذا الولع الشديد باعثا قويا يضطرني إلى مراجعة كتب التفسير.
- المعلم الثاني: حفظه للقرآن الكريم عن ظهر قلب.
كان يحفظ القرآن سورة الفاتحة إلى سورة الناس،
السيد الخوئي كان يسكن في الكوفة، ومقر مرجعيته في النجف الأشرف ومقر درسه وتدريسه في مسجد الخضراء في حرم أمير المؤمنين (ع).
كان يقطع المسافة من الكوفة إلى النجف ومن ثم يعود من النجف إلى الكوفة، وفي خلال طريقه أُثناء عودته أو ذهابه كان ينشغل بترديد آيات القرآن الكريم حتى حفظ القرآن الكريم كاملاً.
وبعض ممن رافقه في سيارته أثناء انتقاله يقولون كنا نراه يلهج بآيات الله تعالى،
ما كانت تمر عليه فرصة إلا وكان يستثمرها في حفظ كتاب الله عز وجل، وهذا فيه عبرة وأي عبرة فكم من أوقات الفراغ عندنا؟!
السيد الخوئي لا يملك فراغاً أبداً، كان زعيم حوزة العلماء على مستوى العلماء الشيعي ومع ذلك اقتطع من وقته لحفظ القرآن الكريم وقد دفن قدس سره بقلب استقر فيه القرآن الكريم.
- المعلم الثالث: تدريسه لعلوم القرآن الكريم وحث طلابه بأن يعلموا دروس القرآن الكريم.
السيد الخوئي كان ملتزماً بأعباء كثيرة وكان درسه في الفقه والأصول عمدة الدروس في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف ومع كل تلك الأعباء مارس درس التفسير برهة من عمره الشريف.
آية الله السيد مهدي الخلخالي وهو من قرر بحوث السيد الخوئي اضطر المغادرة من النجف إلى مشهد بسبب ملاحة الطلاب ومضايقاتهم في النجف الأشرف وهو ينقل عن خادم السيد الخوئي الحاج عباس.
يقول الحاج عباس: ما أرهقتني وأتعبني درس كدرس التفسير للسيد الخوئي، قالوا له وما دخلك أنت؟! قال أن السيد إذا أراد التحضير لدروس التفسير قال لي علي بالكتاب الفلاني وعلي بالكتاب الفلاني فكانت يطلع على كل رأي ولا يترك أية شاردة وواردة عن التفاسير فكان يطلع إلى عشرات المصادر ثم إذا انتهى قال لي ارجع الكتب إلى المكتبة.
وما اكتفى أن يلقي تلك الدروس فحسب بل كان يراسل طلابه ويحثهم بأن يدرسوا القرآن الكريم.
- المعلم الرابع: تأليفه في التفسير.
السيد الخوئي كانت صاحب مشروع في تأليف تفسير متكامل للقرآن الكريم لكن لم يكتب للسيد أن يتم ذلك التفسير إلا جزءا واحدا منه،
البيان في تفسير القرآن ومع الرغم أن السيد لم يكتب إلا في جزء واحدا إلا أن هذا الجزء أخذ موقعه بين بقية التفاسير وهذا التفسير يشار إليه بالبنان.
في مقابل تفسير البيان كتب السيد كتاب نفحات الإعجاز في رد الكتاب المسمى حُسن الايجاز وذلك الكتاب لكاتب أمريكي
يقول الكاتب الأمريكي المتوهم في سورة الفاتحة أنا أقول الحمد للرحمن مالك الأكوان.
وقد رد عليه السيد الخوئي ومن ضمن ما قاله قدس سره:
وقد فوّت بجملته هذه المعنى المقصود من قول الله تعالى. فإن كلمة "الله" علم للذات المقدسة الجامعة لجميع صفات الكمال، ومن صفات الكمال الرحمة التي أشار إليها في البسملة، فذكر كلمة "الرحمن" يوجب فوت الدلالة على بقية جهات الكمال المجتمعة في الذات المقدسة، والتي يستوجب بها الحمد من غير ناحية الرحمة. وكذلك استبدال قوله: " رب الأكوان " بقوله تعالى: {رب العالمين * الرحمن الرحيم}.
فإن فيه تفويتا لمعنى هاتين الآيتين، فإن فيهما دلالة على تعدد العوالم الطولية والعرضية، وأنه تعالى مالك لجميعها ومربيها، وأن رحمته تشمل جميع هذه العوالم على نحو مستمر غير منقطع، كما يدل عليه ذكر لفظ "الرحيم" بعد لفظ "الرحمن". وسنوضح ذلك في تفسير البسملة.
ويقول ذلك الكاتب أيضا: لك العبادة، وبك المستعان
وقد رد السيد: قد فهم هذا الكاتب من معناه أن العبادة لا بد من أن تكون لله، وأن الاستعانة لا تكون إلا به تعالى، فأبدلها بقوله: "لك العبادة، وبك المستعان" وقد فاته أن المقصود بالآية تلقين المؤمن أن يظهر توحيده في العبادة، وحاجته وافتقاره إلى إعانة الله عز وجل في عباداته وسائر أعماله، وأن يعترف بأنه وجميع المؤمنين لا يعبدون غير الله، ولا يستعينون بأحد سوى الله، بل يعبدونه وحده ويستعينون به. وأين هذا من عبارة هذا الكاتب على أنها ليست أخصر من الآية المباركة؟!!
إياك نعبد: قدم الضمير على الفعل المضارع وتقديم الضمير يفيد الحصر.
- المعلم الخامس: اجتهاده في علوم التفسير.
السيد الخوئي لم يكن مجتهداً في الفقه فحسب بل حتى في علوم التفسير ولكن بأي معنى؟!
لو طالعت مجموعة من التفاسير عند الطائفة الإمامية وعند إخوتنا من أنباء العامة تجدها ما هي إلا تكرار لنفس المطالب مع زيادة بسيطة أو مع اختلاف في الصياغة.
لكن السيد الخوئي كان له رأي ونظر في التفسير،
ومن يقرأ تفسيره تفسير البيان يدرك أنه صاحب نظر ورأي بوضوح.
من البحوث التي يتعرض لها المفسرون بحث الناسخ والمنسوخ ومعناه أن الله تعالى يشرع حكما لفترة معينة ثم تنزل آية أخرى تنسخ ذلك الحكم،
وحكم الناسخ والمنسوخ تناولها المفسرون في كتبهم ولكن السيد الخوئي تفرد برأي خاص من مبتكرات ذهنه الشريف.
السيد الخوئي في الناسخ والمنسوخ يذكر 35 موردا ويقول أن النسخ لم يقع سوى في آية واحدة من تلك الآيات الـ35 التي يذكرها وهي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾.
- المعلم السادس: حضور القرآن الكريم في عملية الاستنباط الفقهي.
- الخاتمة:
- السيد الخوئي كان سببا لحفظ الحوزة العلمية في النجف الأشرف أيام الانتفاضة لأنه كان توقع من خلال تلك الانتفاضة أن السيد لربما يقتل أو يحاكم فكان عرضة للخطر وقد جاءه مجموعة من أتباعه وقالوا له سيدنا نحن نؤمن لك الخروج من العراق حتى تسلم من هذا الخطر فرد عليهم السيد بما هو مضمونه: لا أرضى أن يقال أن الشيخ الطوسي بنى وأسس حوزة النجف وجاء السيد الخوئي وقام بهدمها،
فبقي السيد ملازما إلى النجف الأشرف وهو يشم الموت لحظة بعد أخرى.
وكذلك كانت له علاقة متميزة بأهل البيت عليها السلام ولما يتحدثون في سيرته يذكرون شدة علقته بأهل البيت عليهم السلام.
وهنا نشير إلى أن البعض كان يشكك في سيادة السيد الخوئي وانتسابه للبيت الهاشمي وقالوا عنه ليس بالسيد وكان بإمكان السيد الخوئي بما يملك من سلطة دينية وأتباع له أن يسقط تلك الفئة إلا أنه لم يفعل ذلك فما كان منه إلا أن أخذ نسخة من ذلك المنشور وحفظها عنده وأوصى بدفنها معه ولما سألوه عن رأيه فيما يقولونه قال أوكل امرهم إلى الله.
وكان دائما ما يكرر هذا البيت الشعري:
وجَاوَزُوا الحدَّ بِلطمِ الخدِّ
شُلَّتْ يَدُ الطُّغيانِ و التَّعَدِّي