الحديث سيكون حول أمهات الأئمة عليهم السلام وهذا الحديث يحتاج منا الوقوف في ثلاث محطات:
1- المحطة الأولى: السيدة خديجة (ع).
إذا أردنا أن نتحدث عن أمهات الأئمة تستقبلنا في الطليعة سيدتنا السيدة خديجة بنت خويلد عليها السلام وهي أم لأحد عشر إماما بل قال بعض فقهاء الحوزة العلمية وأكابرها أنها أم لاثني عشر إمام بما يشمل أمير المؤمنين عليه السلام. ولكن كيف؟
الأم تارةً تكون أم رحم يتولد المولد منها، وتارة تكون الأم أم حضن يتربى الطفل في حضنها وإن لم يتولد من رحمها، وأمير المؤمنين عليه السلام كان لفترة من الفترات في أكنافها عليهما السلام.
بل قال البعض أنها جدة لكثير من فقهائنا العظام ممن ينتسبون إلى البيت الهاشمي مثل السيد الخوئي والإمام الخميني والمرعشي النجفي والسيد عبدالأعلى السبزواري والسيد السيستاني.
لما نقرأ في سيرة السيدة خديجة (ع) أنها تميزت بعدة من المزايا منها:
- كانت موصوفة بالجمال البارع، ويقولون أنها كانت من أجمل نساء قريش.
- كانت ذات ثراء عريض ومال كثير حتى أن أبا الحسن البكري في كتابه الأنوار وقد نقل عنه العلامة المجلسي أنها كانت تملك أكثر من ثمانين ألف ناقة؛ وهذا الخبر في الحقيقة والواقع لا يخلو من مبالغة ولكنه يكشف عن تسالم وإذعان المؤرخين بثرائها الواسع ومالها الكثير وقد بذلت ذلك المال كله في سبيل الله تعالى وفي سبيل دعوة النبي (ص) بل أنها كانت تتكفل بالإنفاق والنفقات المستحبة لرسول الله (ص).
لما تزوج النبي منها وفدت عليه مرضعته حليمة السعدية فشكت إليه ما يمرون عليه من العوز والحاجة فأعطتهم السيدة خديجة أربعين شاة.
- عرفت بالتزامها الأخلاقي: برغم جمالها وشدة ثرائها اللذان يبعثان الإنسان على التهتك والعبث إلا أن التاريخ ما سجل عليها ولا في سيرتها أي تجاوز من التجاوزات الأخلاقية بل كانوا في زمن الجاهلية يلقبونها بالطاهرة.
- عرفت بالعقل وحسن التدبير والتفكير: ولذلك روي عن رسول الله أنه قال: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله).
وهنا ندفع وهما وإشكالا مقدرا حول وكمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع،
هل مراد رسول الله (ص) أن القدرة العقلية عند النساء على مستوى والإبداع والتفكير أقل مما عند الرجال!؟
أبداً، ها أنت تجد الكثير من النساء اللاتي أحزن الدرجات العلمية، وكما أن في الحوزة فقهاء فلدينا فقيهات وهناك امرأة بلغت درجة الاجتهاد.
إذاً القدرة العقلية لدى المرأة ليست أقل من الرجل، وإنما يريد النبي (ص) أن يقول أن المرأة غلبة العاطفة فيها أكثر من الرجل، والعاطفة إذا غلبت على صاحبها حجبته عن التفكير في مساحة من المساحة ولكن إذا نظرنا إلى العاطفة من زاوية من الزوايا لوجدناها كمالاً للمرأة ولذلك تجدها تمارس أقدس دور وهو دور الأمومة.
2- المحطة الثانية: السيدة نرجس (ع)
السيدة نرجس رغم كونها من أعظم أمهات الأئمة (ع) إلا أننا في الغالب لا نعلم عنها شيئا، وكل ما نحيط به أنها أم الإمام المهدي (ع) ومن هنا نذكر بعض معالم عظمة السيدة نرجس عليها السلام وفي ذكر بعض معالمها نحتاج للحديث عن معالم السيدة فاطمة المعصومة (ع)
- السيدة فاطمة المعصومة (ع) بشر بها قبل أن يولد أبوها الكاظم (ع)،
وكذلك السيدة نرجب تحدث عنها أربعة من الأئمة الطاهرين قبل ولادتها بزمن بعيد؛ والملفت للنظر أن الأئمة في حديثهم كانوا يكررون وصفا واحدا وهو سيدة الإماء.
- عن الإمام الحسن المجتبى (ع): "إذا خرج ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره".
- روى أبو بصير قال: قلت لأبي عبد الله: يا بن رسول الله، من القائم منكم أهل البيت؟ فقال: يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى ذلك ابن سيدة الإماء يغيب غيبة يرتاب فيه المبطلون ثم يظهره الله عز وجل فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها.
- عن الإمام علي الرضا (ع): " الرابع من ولدي ابن سيّدة الإماء يطهّر اللّه به الأرض من كلّ جور و يقدّسها من كلّ ظلم".
- عن الإمام الكاظم (ع): "... هو الثاني عشر منا يسهل الله له كل عسير ويذلل له كل صعب ويظهر له كنوز الأرض ويقرب له كل بعيد ويبير به كل جبار عنيد، ويهلك على يده كل شيطان مريد ذاك ابن سيدة الإماء الذي يخفى على الناس ولادته ولا يحل لهم تسميته".
من الملاحظ أن أمهات الأئمة بدءا من أم الإمام زين العابدين (ع) إلى أم الإمام المهدي باستثناء أم الباقر (ع) كلهن من الجواري.
أم الإمام المهدي (ع) أفضل من تلك الأمهات كلهن فهي أفضل من أم زين العابدين وأم الصادق والرضا والكاظم بل تكون نرجس أفضل حقا من ماريا القبطية بل أكثر من ذلك فهي أفضل من السيدة هاجر.
ومما يثير التعجب أن الراوي الوحيد لتفاصيل ولادة الإمام المهدي (ع) هي السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد (ع).
بَعَثَ إلَيَّ أبو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليهما السلام، فَقالَ: يا عَمَّةُ، اجعَلي إفطارَكِ (هذِهِ) اللَّيلَةَ عِندَنا، فَإِنَّها لَيلَةُ النِّصفِ مِن شَعبانَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى سَيُظهِرُ في هذِهِ اللَّيلَةِ الحُجَّةَ، وهُوَ حُجَّتُهُ في أرضِهِ. قالَت: فَقُلتُ لَهُ: ومَن امُّهُ؟ قالَ لي: نَرجِسُ، قُلتُ لَهُ: جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِداكَ، ما بِها أثَرٌ، فَقالَ: هُوَ ما أقولُ لَك. قالَت: فَجِئتُ، فَلَمّا سَلَّمتُ وجَلَستُ، جاءَت تَنزِعُ خُفّي، وقالَت لي: يا سَيِّدَتي (وسَيِّدَةَ أهلي)، كَيفَ أمسَيتَ؟ فَقُلتُ: بَل أنتَ سَيِّدَتي وسَيِّدَةُ أهلي.
السيدة نرجس تقول لحكيمة سيدتي وإذا بحكيمة ترد عليها فتقول بل أنت سيدتي وسيدة أهلي فما دلالة هذه الكلمة؟ هذا يدل على عظمة حكيمة فأبوها الجواد (ع) وأخوها الهادي (ع) وهي عمة العسكري (ع)، وكانت محطة تقديس عند الأئمة وكانوا يلقبونها بالجدة.
وكان الإمام العسكري يتفاءل بوجودها وكان يسميها بالمباركة.
ويقولون إن حكيمة هي أول من احتضن المهدي وقد قبلته عند نزوله من رحم أمه.
بل يذكر أن حكيمة في زمن الغيبة الصغرى كانت تأخذ الأسئلة من الناس وتعطيهم الإمام المهدي فتأخذ الأجوبة من الإمام وتوصله إلى الناس،
وكما هو معلوم أن سفراء الإمام المهدي في زمن الغيبة الصغرى أربعة سفراء من الرجال ولكن هناك من يقول أن هناك سفير خامس لكن ليس برجل وإنما امرأة وهي عمته حكيمة.
لماذا قالت السيدة نرجس للسيدة حكيمة وعليك السلام يا سيدتي، ولماذا استخدمت لفظ السيادة ؟ هذا ما نذكره في المحطة الثالثة.
3- المحطة الثالثة: بعض الشبهات حول السيدة نرجس (ع)
- الشبهة الأولى: التشكيك في وجود السيدة نرجس وفي إسلامها، وبالتالي التشكيك في الإمام المهدي (ع)
جاء البعض وقال لو كانت السيدة نرجس شخصية حقيقية لما تكثرت أسماؤها في التاريخ فهناك من يسميها بصقيل وهناك من يسميها بمليكة، وهناك من يسميها بسبيكة، وأيضا هناك من يسميها بسوسن وريحانة ونرجس.
يقولون: إن تعدد الأسماء هذا يدل على أنها شخصية وهمية وليست حقيقية إذا لو كانت شخصية حقيقية لاتفقوا على اسما واحداً.
وفي مقام الجواب على هذا الإشكال نذكر إضاءتان:
- الإضاءة الأولى: تكثر الأسماء ليس دليلاً على وهامة الاسم، فالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام لها عدة أسماء، وتعدد أسماء الزهراء (ع) إنما هو بتعدد جوانب التميز فيها، وكذلك السيدة نرجس (ع) تعددت أسماؤها لتعدد جوانب التميز فيها أيضا.
- الإضاءة الثانية: بعض الشخصيات تعددت أسماؤها
أبو هريرة أشعر الرواة عند أبناء العامة وقد روى خمسة آلاف رواية، وأبو هريرة هي كنيته ولكن ما هو اسمه؟
لا يوجد اسم محل اتفاق بين المؤرخين فالمصادر عند أبناء العامة كابن عبد البر قال قد اختلفوا في اسمه واسم ابيه اختلافا كبيرا، وهناك من قال انهم اختلفوا في اسمه حتى وصل إلى ثلاثين قولاً.
وعليه ومن هذا المنطلق هل يكون أبو هريرة شخصية حقيقية أم شخصية وهمية ؟
فلو سلمنا بهذا الإشكال فإن الكثير من الشخصيات التاريخية تسقط.
الشبهة الثانية: نصرانية السيدة نرجس (ع)
جاء البعض وقال كيف تقبلون أن أم إمامكم المهدي أمة من الإماء تباع وتشترى في سوق النخاسين، وقالوا أنها كانت جارية ونصرانية قبل أن تسلم.
كيف نرد على الشبهة ؟!
الشيخ الصدوق يذكر رواية مفادها أن نرجس هربت من عائلتها ومن عشيرتها وقبيلتها فسبيت وجيء بها إلى سوق النخاسين فاشتراها الإمام العسكري إلى أن أنجب بها الإمام المهدي.
هذه القصة فيها ألف نظر ونظر وهي معارضة لقصة أخرى ذكرها الشيخ الصدوق في نفس كتابه وهو كمال الدين وتمام النعمة، والقصة الأخرى يذكرها الشيخ المسعودي أيضاً.
الرواية الأولى يذكرها الشيخ الصدوق فقط بينما الرواية الثانية يذكرها الشيخ المسعودي والشيخ الصدوق فما هي الرواية الثانية أو القصة الثانية ؟
القصة الثانية مفادها أن نرجس عليها السلام ولدت في بيت السيدة حكيمة عليها السلام والإمام الهادي طلب من أخته أن تربيها.
لا يتصور في امرأة حكيمة أن تربي نرجس على النصرانية ومن هنا نفقهم لماذا دخلت حكيمة وقالت السلام عليك فردت نرجس بَل أنتَ سَيِّدَتي وسَيِّدَةُ أهلي.
أي الروايتين أرجح ؟! هناك عدة مرجحات ترجح رواية المسعودي
- المرجح الأول: هو القرب الزماني بين وقوع حدوث ولادة الإمام المهدي وموت الصدوق وموت المسعودي فالقرب الزماني لولادة المهدي هو للشيخ المسعودي فالمهدي يكبر المسعودي بثمانية وعشرون عاما.
- المرجح الثاني: القرب المكاني فالصدوق كان مقيما في قم وانتقل إلى الري التي كان يتمناها عمر بن سعد ومن ثم انقتل على مدينة طهران، بينما المسعودي ولد في بغداد ومات في بغداد والإمام المهدي ولد في سامراء.
- المرجح الثالث: الصدوق روى الرواية بأربعة وسائط بينما المسعودي روى بواسطة واحدة وفي علم الدراية يقولون إن سند المسعودي سند أعلائي.
- المرجح الرابع: المسعودي يقول سمعت عن مشايخي الثقات.
- المرجح الخامس: رواية المسعودي يذكرها الشيخ الصدوق.
إذاً الأرجح في شأنها أنها كانت جارية عند السيدة حكيمة وولدت عندها فولدت على الإسلام ولم تولد على النصرانية فقامت بتربيتها وتعليمها بطلب من أخيها الإمام الهادي (ع).