الحديث انطلاقا من الرواية المباركة يكون الحديث حول اللهو والعبثية في المنظور الديني،
والإسلام ليس دينا للتصوف وإنما هو دين للتوازن
فالإسلام يريد لأبنائه أن يعيشوا الانبساط على مختلف الحاجات النفسية ولكن بشرط أن يكونوا متوازنين فيها ومن الحاجات التي تنزع إليها النفس البشرية والتخفف من الأعباء الحياتية
ومن ذلك هو التخلص تلك الأعباء من خلال اللهو واللعب، ولذلك الشريعة الإسلامية وضعت ضوابط لهذا اللهو حتى لا ينزلق إلى مستوى العبثية.
ومن خلال هذا الحديث نقف على محطات ثلاث:
1- المحطة الأولى: أقسام اللهو في المنظور الديني على حسب رأي السيد الخوئي قدس سره
السيد الخوئي في كتابه محاضرات في الفقه الجعفري يقسم اللهو إلى ثلاثة أقسام:
- اللهو بالآلات الموسيقية المختصة.
- اللهو بالآلات المشتركة إذا استوجبت فوات الواجبات.
- اللهو بالأدوات المحللة إن كانت لا تستوجب فوت الواجبات.
- اللهو بالأدوات اللهوية كالآلات الموسيقية وهي على نوعين:
الأول هي الآلات التي يغلب في استخدامها عزف الألحان المحرمة التي تناسب مجالس أهل اللهو والطرب ومثل هذه الآلات يصطلحون عليها بالآلات المختصة لغلبة استخدامها في عزف الألحان المحرمة مثل: (العود – المزمار – البيانو – الغيتار - ..) وهذا اللهو محرم والآلات محرمة وحرمتها لا تتغير حتى لو كانت تلك الآلة تستخدم النوع المحلل فيحرم اقتناؤها وشراؤها واستخدامها والعزف عليها بل فعل ذلك يعد من الكبائر عند الله،
والنوع الثاني من الآلات الموسيقية والآلات المشتركة هي التي كما تستخدم في عزف الألحان المحرمة تستخدم في عزف الألحان المحللة كالتي تعزف في الحروف وتسمى بالموسيقي العسكرية، والتي تستخدم في مراسم تشييع الجنائز وتسمى بالموسيقي الجنائزية، وكذلك التي تستخدم في الموكب فتسمى بالموسيقي الموكبية.
- الآلات المشتركة لا مانع من اقتنائها والعزف عليها في موارد الحلال وهذا هو رأي السيد الخوئي، ونريد أن ننبه على أن هذا الرأي خاص بالموسيقى لأن الموسيقى عنوان مستقل عن عنوان الغناء،
فالغناء اللهوي التي تكون ألحانه ألحانا لهوية متناسبة مع مجالس اللهو وأهل الطرب ويكون الكلام فيه فحض فهو كله حرام وعليه نلفت النظر إلى صورة قد اختلف الفقهاء عليها من صور الغناء اللهوي.
- صور الغناء اللهوي الذي حرمها البعض وحللها بعضهم الآخر:
السيد الخوئي استثنى من حرمة الغناء اللهوي غناء النساء في الأعراس ولكن بشرط:
ألا يكون الغناء بكلام فاحش وباطل،
وألا يتم استخدام أداة من الأدوات الموسيقية أثناء الغناء،
وألا يسمع الرجال النساء ولا يدخل عليهن الرجال؛
وهذا الاستثناء خاص ليلة الزفاف فقط وليس في ليلة الجلوة أو ليلة الحناء.
بينما رأي السيد السيستاني هو الأحوط وجوبا حرمة غناء النساء في الأعراس.
أقسام اللهو:
- اللهو بالآلات الموسيقية المختصة بعزف الألحان المحرمة وهذا النوع باطل ومحرم في الشريعة الإسلامية.
- اللهو بالآلات المحللة ولكن بما يستدعي فوت الواجبات فهو محرم أيضا: كأن تنشغل باللعب في الأجهزة الذكية وبسبب انشغالك ولهوك يفوت عليك وقت الصلاة!
- اللعب بالآلات المحللة بما لا يستوجب فوات الواجبات: كأن أراعي وقت خروجي من الملعب عندما ألعب كرة القدم فأذهب للاستحمام قبل فترة كافية من وقت الأذان فهذا لا إشكال فيه.
2- المحطة الثانية: بعض نماذج اللهو والعبثية المذمومة في الشريعة الإسلامية:
- النموذج الأول:
- سماع الغناء في الشوارع.
لدينا حالة متكررة نجدها في الشوارع فتجد شابا يتجول بسيارته ويرفع صوت الأغاني على أعلاه ؟ لماذا أنت أيها الشاب تزعج الناس بمعصيتك؟ وما هي الرسالة التي تريد إيصالها تحديداً للناس من خلال رفعك لصوت الأغاني؟!
- التفحيص أو التفحيط.
تجد البعض من الشباب ممن يمارسوا التفحيط أو التخميس في المناطق السكنية والشوارع الداخلية من غير أن يهتموا بمشاعر الآخرين ولا أن يعتنوا براحة الناس !
البيت فيه شيخ كبير، وامرأة مسنة، وطفل صغير تعبت أمه إلى أن ينام، وشاب يذاكر لامتحانه، وشاب مريض! وتقوم أنت بهذا المستوى من الأنانية لتسعد نفسك بهذه الممارسة وتضرب بمشاعر كل هؤلاء عرض الحائط ؟!
البعض يسمي هذه اللعبة بلعبة الموت، فكم من الشباب ماتوا؟ ، وكم منهم أصيبوا بعاهات في أبدانهم؟ وكم من الشباب قتلوا بسبب هذه الممارسة! وكم من وكم!
- النموذج الثاني: العبثية في مناسبة مواليد أهل البيت (ع).
نجد من الاحتفالات ما هو طابعه طابع الرزانة والوقار فأهلا ومرحبا بذلك
ولكن نجد من تلك الاحتفالات ما طابعها طابع العبثية فما معنى أن يرقص مجموعة من الشباب في الشارع بمناسبة الاحتفال بذكرى مولد أحد أئمة أهل البيت (ع) ؟!
- النموذج الثالث: اللهو بأدوات القمار مثل البتة والدومنة والكيرم
السيد الخوئي والشيخ زين الدين رأيهما هو أن هذه الألعاب تعد من آلات القمار ويحرم اللعب فيها،
والسيد السيستاني رأيه هو إن عدت هذه الألعاب من آلات القمار في نظر العرف فيحرم اللعب بها.
والفقهاء هنا لا يفرقون بين أكانت اللعبة برهان أو بدون رهان.
- النموذج الرابع: الهوس الرياضي:
ليس هناك من مانع أن تنشغل بالمشاركة في الدورات الرياضية في شهر رمضان ولكن ليس معنى ذلك أن يكون برنامجك طوال الشهر في هذه الدورات الرياضية، ولا تخصص لك وقتا لقراءة القرآن الكريم ولا تخصص لك وقتا لصلاة الأرحام وما إلى ذلك من الأعمال الحسنة في هذا الشهر الفضيل.
كذلك من حقك أن تتابع دوري كأس العالم ولكن أن تنشغل بمتابعة تلك المباريات بما يصل إلى حد الهوس الرياضي فتدخل في شجار مع صديقك! أو أن تزعج الناس بالليل لأن فريقك فاز! أو أن تدخل في المراهنات المحرمة في فوز فريقك أو فريقه فهذا لا يكشف عن الاتزان.
- النموذج الخامس: متابعة أخبار المشاهير
متابعة أخبار المشاهير من اللاعبين أو بعض صناع التفاهة في المجتمع!
أنت تستغرب كيف أن كثيراً من المشاهير صارت لهم هذه الحظوة من المتابعين والحضور الواسع! وعندما ترى تجد أن كثيرا من الناس يبحثون عن مقاطع التفاهة والسخرية فصاحب التفاهة صار محظوظا وربما يصبح في موضع القدوة وهو لا يملك أدنى مستوى من المعرفة المؤهلة.
تجد شابا يعرف عن اللاعبين وغيرهم كل شيء، تستغرب جدا أن ذلك الشاب يعرف كل شاردة وواردة عن اللاعب ميسي وعندما تسأله عما يعرفه عن أهل البيت تجدها لا يعرف أي شيء عن الإمام العسكري أو الهادي أو عن جعفر بن أبي طالب وغيرهم.
من حقك أن تشجع من تريد وتعجب بعلب من تريد،
ولكن ليس من الصحيح أن تستغرق في بحث تفاصيل كل حياة من تشجعه وفي المقابل لا تعرف شيئا من سيرة أهل البيت (ع).
3- المحطة الثالثة: سبل العلاج للتخلص من الانغماس في العبثية واللهو المذموم.
- الاستسقاء المعرفي: لا بد أن يكون من مصادره المأمونة والموثوقة.
أنت كشاب من أين تأخذ ثقافتك الدينية؟!
نجد في ادعاء السفارة من يطرح عدة عناوين وقد انجرف إليها البعض للأسف البالغ بسبب قناعاتهم فانقادوا معهم دون أدنى تريث!
هل كل من ادعى العلم آخذ منه تكاليفي الشرعية؟
صرنا نعتمد على عقولنا بنحو مستقل في تشخيص أن هذا العالم يؤخذ منه وهذا العالم لا يؤخذ منه!
عندما تسأل أحدهم لماذا قلدت فلانا على سبيل المثال؟ قال لأن فتاواه أسهل من غيره ؟ ومنذ متى كان هذا مقياسا للتقليد ؟!
البعض يطرح أفكار عصرية بين الناس وما هي إلا فترة إلا وصار زيداً من الناس علماً من الأعلام.
- التخلص من أوقات الفراغ: البعض يعبر عن الفراغ بأنه العدو الخفي،
الشيطان يفتح أبوابا للعاطلين والفارغين، تجد كثيرا من العاطلين يتسكعون في الشوارع
ولكن في المقابل هناك من حصل على شهادة البكالوريوس ونظم وقته حتى حصل على شهادة الماجستير ومن ثم شهادة الدكتوراه ،، وكل هذا ببركة أنه نظم وقته واستثمر فراغه خير استثمار.
- الشعور بالمسؤولية:
البعض تجده يأتي المأتم من باب الالتزام الأدبي فتراه يستقبل لكنه لا يرسل، وتراه في موقع المتأثر ولا يكون في موقع المؤثر.
في يومنا توجد مؤسسات دينية وجمعيات خيرية ومآتم حسينية ومواكب عزائية والعمل في كل هذه المؤسسات مبنية على المجانية ومن غير مال، والعاملون فيها يضحون بأوقاتهم وحقوق أسرهم من أجل أن يخدموني ويخدمون أولادهم.
يحتاج منك أن تخفف من هممهم لأنهم يحتاجون إلى الراحة وإن لم يرتاحوا انخفضت جودت العمل الاجتماعي وقلت الإنتاجية!
ونحتاج إلى أن تتناوب الأوقات فتقول مثلاً لمن شغل هذا الموقع لدورتين اترك المجال لغيرك، خذ راحتك لمدة أربع سنوات مثلا وبعد دورتين أنا أخرج وأنت تعود.
عدم الشعور بالمسؤولية الاجتماعية كفيل بأن تغلق تلك الجمعيات والمؤسسات أبوابها وإن لم تغلقها فلن تحافظ على مستوى انتاجياتها المعهود.
ما الذي يمنعك أيها الشاب أن تدخل في مجلس إدارة المأتم في اللجنة الإعلامية أو لجنة الخدمات أو غيرها ؟!
ومن هنا أشد على أيادي الشباب للدخول في تلك المؤسسات والجمعيات، وكما نعلم أن الغالب منها تشكي عزوف دخول الشباب فيها.
الوجوه في مجلس الإدارة وجوه مكررة ويا ليت أنها وجوه مكررة فحسب بل هي متنازعة،
تجد بعضا منعم عضو في مجلس إدارة المأتم وفي نفس الوقت عضو في مجلس إدارة الجمعية الخيرية وعضو في التعليم الديني وعضو فثي الموكب الحسيني ! وهو مطلوب في كل مكان ؟
أنت خفف عليهم بدخولك إلى المؤسسات الخيرية
هو ليس وقف للذرية حتى لا يخرجوا من مضوا عمرا طويلا في تلك المؤسسات بل أن الموضوع ترقى وصار متنازعا، أنت خفف عليهم بأن تشغل بعض المواقع ومن المعلوم أن الإنسان إذا توزعت جهوده على أكثر من موقع خفت جودته.
- استشعار الرقابة الإلهية:
يوم القيامة يسأل المرء عن شبابه فيما أفناه،
إذا استشعرت الرقابة الإلهية فلن أنجر إلى اللهو والعبثية المذمومة.
يقول أحدهم كنت في الهند وقد اشتهيت نوعا معينا من المكسرات فنزلت في الشوارع وسألت عن نوع ذلك المكسرات فأجابوني أن محلات الشارع الفلاني تبيع المكسرات ولكن نوصيك من المحل الفلاني لأن صاحبه معروف بالأمانة.
يقول عندما ذهبت إلى ذلك المحل وقفت أنتظر دوري وأثناء ذلك كنت واقفا وكنت أشاهد ذلك البائع بين وقت وآخر بين كل زبونين أو ثلاثة يذهب إلى زاوية يرفع منديل ثم ينظر إلى أسفل المنديل وبعد ذلك يرفعه ومن ثم يعود ! وهذه الحركة تكررت أكثر من مرة!
عندما وصل دوري سألت ذلك البائع: ما الذي يوجد في تلك الزاوية وما الذي تفعله بالمنديل؟
قال أنا ممن يعبدون الإله بوذا وتحدثني نفسي أحيانا أن أنقص مما أطلبه من كل زبون ولأني أعبد الإله بوذا وأستشعر وجوده لكلما حدثتني لغش الناس ذهبت إلى تلك الزاوية أرفع المنديل فأنصرف عن غش الناس.
ذلك الرجل المتحدث كان مسلما وقد انحدرت دموعه على عينيه،
ذلك البائع الذي يعبد إلها مزورا يستشعر رقابته،
ونحن نعبد إله العالمين وجبار السماوات والأرضين، ومع ذلك لا نستشعر رقابته علينا فنغش بعضنا البعض ونعصه سبحانه وتعالى.
- استشعار النعم الإلهية:
وهبني الله تبارك وتعالى رجلين ويدين وعينين وأذنين وغيرها الكثير من النعم الإلهية فعندما أستشعر نعمة الرجلين واليدين سأمشي إلى الطاعة، وعندما أستشعر نعمة العينين سأقرأ بهما القرآن ولن أنظر النظرة المحرمة.
ما لم أقدر نعمة النظر سأستخدمها في موارد اللهو المذموم،
وما لم أقدر نعمة الرجلين ونعمة الدين سأنزلق إلى موارد اللهو المذموم.