الحديث يكون في رحاب جعفر بن أبي طالب (ع)، وهذا الحديث يتطلب منا إلى مقدمة يسيرة والوقوف في محطات ثلاث:
- المقدمة: جعفر (ع) يكبر عليا (ع) بمقدار عشر سنوات وإن قال البعض بأن الفاصلة العمرية بينهما أقل من عشر وهي سبع سنوات؛
المهم أن جعفر أكبر من علي عليهما السلام بغض النظر عن الفاصل العمري بينهما أكان عشرا أو سبعا.
1- المحطة الأولى: العوامل المشتركة بين جعفر (ع) والنبي (ص).
- العامل الأول: عامل المبدئية والاستقامة.
التاريخ لم يسجل على حق النبي (ص) زللا، ولم يسجل في حقه لا مؤاخذة ولا تجاوزا بل أن قريش وإن لم تكن آمنت به إلا أنها كانت تسميه بالصادق الأمين.
النبي الأعظم (ص) سيرته سيرة مشرقة سواء أكانت قبل البعثة أو بعدها، ولم يكن الله ليرسل نبيا ماضيا ماضٍ غير مرض.
جعفر (ع) كذلك كانت سيرته مستقيمة قبل مجيء الإسلام.
- عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع) قال: (أوحى الله عزَّ وجل إلى رسوله (ص): أني شكرت لجعفر بن أبي طالب أربع خصال، فدعاه النبي (ص) فأخبره، فقال: لولا أنّ الله أخبرك ما أخبرتك، ما شربت خمراً قط لأني علمت إن لو شربتها زال عقلي، وما كذبت قط لأن الكذب ينقص المروءة، وما زينت قط لأني خفت أي إذا عملت عمل بي، وما عبدت صنماً قط لأني علمت أنه لا يضر ولا ينفع).
جعفر منذ أن كان صغيرا لم يشرب الخمر ولم يكذب ولم يزن ولم يعبد لصنم.
إذا كان جعفرا عليه السلام بهذا المستوى من الاستقامة فلا تتعجب أنه الجرل الثاني الذين آمن بالنبي الأعظم (ص) بعد أخيه علياً.
- العامل الثاني: الشبه الخلقي والخلقي.
من صفات جعفر أنه كان يتصف بصفة اللين والرحمة والفقراء بالمساكين، وكان العرب يسمونه بأبي المساكين.
وفي صفاته الجسمانية كان يشبه النبي محمد وكانوا يقولون كنا إذا رأينا جعفرا من الخلف حسبناه رسول الله لشدة الشبه بينه وبين النبي (ص).
العامل الثاني المشترك إذاً هو عامل الخصال النفسية والصورة الجسمانية.
- العامل الثالث: عامل المودة والمحبة
لما وصل خبر استشهاد جعفر إلى النبي (ص) حزن النبي حزنا لم يحزن على عمه الحمزة،
يقال أن النبي عندما استشهد حمزة بكى وشهق وكاد أن يموت، وفي صلاة النبي على الحمزة اختلفت الروايات فمنها ما تذكر أن النبي كان يصلى على الشهداء عشر جنائز عشر جنائز فإذا صلى على عشر الجنائز يؤتى له بعشر جنائز أخرى وكان في كل مرة تكون جنازة الحمزة معهم، ومنها ما تذكر أنه كان يصلي على كل شهيد لوحده فإذا جيء وصلى على جنازة شهيد يؤتى بجنازة شهيد آخر وفي كل مرة تكون جثة الحمزة مع أولئك الشهيدة حتى قيل أن النبي الأعظم (ص) صلى على الحمزة سبعون صلاة!.
النبي بكى على جعفر بكاء لم يبكه على الحمزة.
- العامل الرابع: عامل الافتخار والاحتفاء
أهل البيت عليهم السلام كانوا إذا أرادوا أن يفخروا بأنفسهم ينسبونها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى الإمام علي عليه السلام.
الإمام علي عليه السلام كان إذا يخاطب القوم يقول: " نَشَدْتُكُمُ اللَّهَ، هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ، لَهُ أَخٌ كَأَخِي جَعْفَرٍ الْمُزَيَّنِ بِجَنَاحَيْنِ يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ يَشَاءُ".
المتحدث علي بن أبي طالب عليه السلام ومع ذلك يفتخر بجعفر.
الإمام الحسين (ع) أيضا قال: "إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله على لقاء سيد المرسلين وأبي سيد الوصيين وأمي سيدة نساء العالمين وعمي جعفر الطيار في الجنة وحمزة سيد الشهداء".
زين العابدين عليه السلام يذكر عمه أيضا.
2- المحطة الثانية: مهام جعفر بن ابي طالب (ع)
- جعفر (ع) كان أول سفير في الإسلام
المؤمنون هاجروا إلى الحبشة ولما نتكلم عن هجرة المسلمين إلى الحبشة فنحن لا نتكلم عن هجرة واحدة إنما عن هجرتين، الأولى كانت تحت قيادة عثمان بن مضعون الذي قيل في حقه أنه أخ النبي من الرضاعة وكانت بغرض استنقاذ أرواح المؤمنين، والأخرى كانت بزعامة جعفر بن أبي طالب (ع).
جعفر لم يكن محتاجاً للهجرة من أجل النجاة بنفسه لأنه كان في منعة من ذلك فأبوه أبو طالب وأبوه شخصية عملاقة ثقيلة،
إذاً لماذا اختاره النبي لأن يكون سفيرا عنه وعن الإسلام ؟
جعفر كان يتمتع ببلاغة وبيان ساحر وقد هاجر على رأس الوفد الإسلامي ليطمئن النبي على من معه من المستضعفين لأنه عرف بالرحمة والشفقة.
ملك الحبشة النجاشي أسلم على يدي جعفر، وقيل أن جعفر بقي في الحبشة لمدة 15 عام
المؤرخون يقولون أن عبدالله بن جعفر وهو زوج السيدة زينب (ع) أنجبه جعفر قبل هجرته للحبشة بثلاث سنوات وبقية أولاده أنجبهم في أرض الحبشة.
بعد خمسة عشر عاما يأتي النداء من النبي لجعفر أن ارجع المدينة، فكان يوم خروجه يوما مشهودا،
خرج الناس في توديعه وكان في مقدمة المودعين ملك الحبشة النجاشي وقد بانت على وجهه علامات الغم والحزن.
أنت إن كان لك ضيفا عزيزا وأراد الانصراف فإلى أين تشيعه ؟ ستشيعه على باب الدار وإن بالغت ستشيعه إلى باب السيارة.
هل تعلم أن ملك الحبشة شيع جعفرا إلى أرض المدينة وقد أمر ملك الحبشة بأن يوصلوا لرسول الله ما فعلوه مع جعفر.
عندما وصل ممثل ملك الحبشة (ملك النجاشي) إلى أرض المدينة وأخبر النبي بما قاموا به مع جعفر صار النبي يخدمهم ويقدم الطعام له بيديه وقال إنما أردت أن أكرمهم بنفسي كما أكرم النجاشي جعفرا ومن معه.
- جعفر كان قائداً للجيش الإسلامي في معركة مؤتة.
معركة مؤتة حصلت في العام الثامن للهجري في شهر جمادى الأولى وقد اختلف المؤرخين بين علماء الشيعة وعلماء العامة لمن أوكلت قيادة الجيش.
السنة يقولون أن القيادة كانت لزيد بن حارثة فإن مات فلجعفر بن أبي طالب وإن مات فلعبدالله بن رواحة،
بينما الشيعة يقولون أنها كانت لجعفر أولا فإن مات فلزيد بن حارثة وإن مات فلعبدالله بن رواحة.
الاختلاف وقع بين زيد وجعفر فهم يقولون أن زيدا أولا ونحن نقول أن الأول هو جعفر،
فلماذا هذا الاختلاف ؟
- الإضاءة الأولى: لدينا مجموعة من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) ينص فيها الأئمة إلى النبي (ص) أوكل القيادة في معركة مؤتة إلى جعفر أولا وهي روايات متظافرة عن العترة الطاهرة
- الإضاءة الثانية: مجموعة من كبار علماء ومؤرخي أبناء العامة يذهبون إلى ما ذهبه إليه علماؤنا منهم أبي الحديد المعتزلي وابن سعد.
- الإضاءة الثالثة: الشعراء الذين عايشوا معركة مؤتة كحسان بن ثابت ومالك بن كعب كتبا قصائدا في معركة مؤتة وهما يصرحان أن القيادة كانت لجعفر.
- الإضاءة الرابعة: المراسلات التي يذكرها التاريخ منها المراسلة بين عبدالله بن جعفر ومعاوية بن أبي سفيان ويستفاد منها أن جعفر أبو عبدالله كان هو القائد.
ما هو الداعي لتأخير جعفر وتقديم زيد ؟
يقول العلامة جعفر مرتضى العاملي إنما حصلت محاولات تأخير جعفر لا لشيء وإنما لأنه أخ علي بن ابي طالب،
فلماذا تم تكفير أبو طالب ؟ ليس لشيء إلا أنه أب لعلي!
ولقد قالوا للإمام الحسين (ع): نقاتلك بغضا منا لأبيك.
فلا تتوهم أن البغض لعليا انعكس على أبيه فقيل بكفره وإنما حتى على جعفر.
3- المحطة الثالثة: تفاصيل شهادة جعفر (ع).
من يقرأ في كتب التاريخ يجد أن جعفرا أبدى بسالة منقطعة النظير في معركة مؤتة وإذا قرأت عنه كأنت تقرأ عن أبيه.
أخذ الراية جعفر رضي اللّه تعالى عنه و قاتل على فرس أشقر ثم نزل عنه و عقره، أي و هو أول رجل من المسلمين عقر فرسه، و أول فرس عقر في سبيل اللّه، عقره خوفا أن يأخذه الكفار فيقاتلوا عليه المسلمين، و من ثم لم ينكر عليه أحد من الصحابة، و به استدل من جوّز قتل الحيوان خشية أن ينتفع به الكفار و تقاتل عليه المسلمين، ثم قاتل رضي اللّه تعالى عنه فقطعت يمينه، فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره، فاحتضن الراية فأخذ الراية و قاتل حتى قتل رضي اللّه تعالى عنه.
وقد استشهدا جعفرا صائما.
لماذا عقر جعفر فرسه ؟
أول فرس تعقر في الإسلام فرس جعفر وقد أراد من ذلك أن يوصل رسالة للروم ورسالة لجيش المسلمين،
رسالته للروم بأن عقيدتنا بحقانية الدين الإسلامي عقيدة راسخة فإما النصر أو الشهادة، وعقيدته للسلمين أن يرفع معنوياتهم.
- أين قبر جعفر وأين دفن؟
معركة مؤتة حصلت في مدينة تسمى الآن بمدينة اربد الأردنية وقد استشهد بعمر يقارب 41 عاما.
هناك من يدعي أن جعفر وزيد وعبدالله دفنوا في حفرة واحدة ولكن من يزور مدينة أربد يتضح أن قبر جعفر لوحده، لأن الواقع الموجود يبدو منه أن القبور متفرقة وليست متجمعة.
ادعى البعض أيضا أن من دفنوا في اربد هما زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة بينما حمل جثمان جعفر إلى المدينة إلى قبر البقيع وهذا القول قول ضعيف لا يعتنى ولا يعبأ به.