Thursday, 15 April 2021 21:38
ملخص محاضرة الليلة الثالثة من شهر رمضان 1442 - سماحة الشيخ عبدعلي آل ضيف
♻️ اتهام المؤمنين وتسقيطهم مرض عضال ♻️
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا).
الحديث في ثلاث نقاط:
1- أنواع الأمراض الأخلاقية:
لدينا ثلاثة من الأمراض الأخلاقية يتصور البعض أنها تشكل عناويناً مترادفة بينما هي في الحقيقة والواقع تختلف وكل منها تمثل كلاماً مستقلاً عن الآخر.
? - المرض الأول هو مرض الغيبة: وهي أن تذيع شيئاً عن أخيك بما ستره هو على نفسه أو بما ستره الله عليه.
? - المرض الثاني هو البهتان: وهو أن تذيع عن أخيك المؤمن بما لا ليس فيه وأنت تعلم أن ما تذيعه بعيدا كل البعد عما تنسبه إليه.
فالفرق بين هذين المرضين هو أن الغيبة أن تقول في أخيك بما ستره عن نفسه أو ستره الله عليه فتأتي أنت وتكشف ذلك المستور من الذنوب والمعاصي، بينما في البهتان هو أن تؤلف شيئاً من جيبك وتنسبه لأخيك.
• عن الإمام الكاظم (ع): "من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس، لم يغتبه، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس، اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته".
• عن الإمام الصادق (ع): "الغيبة أن تقول في أخيك ما هو فيه مما قد ستره الله، عليه فأما إذا قلت ما ليس فيه فذلك قول الله * (فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا)".
- هناك مرض ثالث وهو مرض الاتهام:
مرض الاتهام تحدثت عنه الروايات فجعلته عنواناً مستقلاً.
• عن أبي عبدالله الصادق (ع):"إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الإيمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء".
ومرض الاتهام هو أن تظن ظنا سيئاً في زيد من الناس وأنت لا تعلم أن زيداً يتصف بالصفة التي ذكرتها أو لا يتصف بها ورغم كونك لا تعلم تأتي وتصفه بسبب سوء ظنك.
الفرق بين البهتان والاتهام: البهتان أن تذكر أخاك بما تعلم أنه ليس فيه، والاتهام هو أن تنسب شيئا لا تعلم إن كان فيه أو لا.
ومن المعلوم أن مرض الاتهام له جذورا، وجذره الرئيسي والهام هو سوء الظن فكلما كان ظنك سيئا مع أخيك المؤمن قادك لمرض اتهامه.
? وهنا نذكر حادثة بما بمضمونها: يقولون: كان رجلان متسولان ذهبا إلى مسجد ما أحدهما ضرير والآخر مبصر، فمر عليهما رجل من أهل الخير فأعطاهما سلة عنب، فأخذ هذا الضرير فأكل العنب بسرعة فأكل حبة حبة ثم حبتين حبتين ومن ثم ثلاث حبات ثلاث حبات، وبعد ان انتهى قال الضرير للمبصر لقد أكلت عني العنب، فرد عليه وقال ثق بالله أني لم آكل العنب.
هذا الضرير بسبب سوء ظنه اتهم أخاه المبصر.
? - ملاحظة: الكثير يردد لا غيبة لفاسق لكن ما معنى ذلك ؟ لا غيبة لفاسق فيما تجاهر به من المعاصي أمام الناس بحيث لو جئت وتكلمت عن ذلك الفاسق قالوا لك لم تأت بشيء جديد،
يجوز لك أن تذكره بما تجاهر به لا بما ستره على نفسه فلو كان يقوم بمعاصي وذنوب ولا يطلعها لأحد إلا لك وجئت وأطلعتها على الناس تكون قد ارتكبت حراماً.
2- مرض اتهام المؤمنين:
كم من الفتيات وصلت لمرحلة العنوسة بسبب اتهامهن بدون دليل! وكم من الشباب تقدم لفتاة وفتاتين وثلاث ولم يجد ما يسعى إليه وعندما يسألون عنه يقولون كذا وكذا.
مشكلتنا هي كلمة يقولون ويقولون، فكم من الناس انزووا عن المجتمع بسبب اتهامهم زوراً وبهتانا؟!.
⁉️ ما هي مكامن خطورة هذا المرض؟!
? - الجهة الأولى: اتهام المؤمنين فيه استخفاف بحرمة المؤمن.
الروايات تحدثت بشكل ملفت للنظر عن حرمة المؤمن فطائفة ذكرت أن حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمة الملك، وطائفة ذكرت أن حرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة القرآن الكريم، وطائفة أخرى ذكرت أن حرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة الكعبة.
• عن الباقر (ع) أنه قال عند استقباله الكعبة: الحمد لله الذي كرمك وشرفك وعظمك، وجعلك مثابة للناس وأمنا والله لحرمة المؤمن أعظم حرمة منك.
الإمام الباقر هو أصدق الصادقين فلماذا يقسم ؟
الله تبارك وتعالى استخدم القسم في القرآن الكريم واستخدام القسم من قبل البارئ تعالى أو من قبل المعصومين هدفه:
- لفت النظر لخطورة الأمر الذي أقسم به.
- أن يكون مما يكبر على الناس فيعتبرونه ضرباً من الغلو والخيال.
قال تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)
الهاء تعود إلى البيت الحرام،
الفقهاء ذكروا أنه يكره لك أن تتخذ موطنك جواراً للكعبة وذلك لأن المعاصي إذا كانت بجوار الكعبة كانت بمثابة الإلحاد والشرك بالله، والإنسان طبعه الذنوب والغفلة والسهو ومن المتوقع أن تصدر منه الذنوب والمعاصي بجوار الكعبة.
لشدة حرمة الكعبة عند الله تكون المعصية بجواره إلحادا وشركا بالله.
اتهام المؤمن هو استخفاف بحرمة المؤمن التي هي أعظم من حرمة جبرئيل وحرمة القرآن الكريم بل ومن حرمة الكعبة.
المؤمن له حرمة بهذا المستوى.
? - الجهة الثانية: خطورة مرض اتهام المؤمنين.
اتهامك للمؤمنين فيه خروج عن ولاية المؤمنين فما معنى هذا الكلام؟
الوثيقة الاجتماعية والمعاهدة الإيمانية: يجمعني وإياك حب محمد وآل محمد والبراءة من أعدائهم،
هذه الوثيقة تلزمني اتجاهك بواجبات، وتلزمك اتجاهي بواجبات.
تحتم علي أن أحافظ على سلوكي، وألا أظن فيك ظنا سيئا ولا أتهمك فإذا تجاوزناها اتهمتك او اتهمتني.
• عن الرضا (ع): " المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه، ملعونٌ ملعونٌ من اتهم أخاه".
• عن الصادق (ع): " من اتهم أخاه في دينه فلا حرمة بينهما".
صحيح أن هناك أشخاص أنفسهم كبيرة فمهما اتهمتهم وقلت في حقهم فإنهم يترقون ويعفون ولكن هذه الأشخاص نادرة.
يونس بن عبدالرحمن فقيه ومحدث ومتكلم من أصحاب الإمام الصادق والإمام الكاظم والإمام الرضا،
وقد قيل له إن كثيرا من هذه العصابة يقعون فيك ويذكرونك بغير الجميل، فقال: أشهدكم أن كل من له في أمير المؤمنين عليه السلام نصيب فهو في حل مما قال.
عقيدتنا أن النبي صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام يحضران عند المحتضر،
فإذا حضر لك علياً وقال ما الذي قدمته قل عفوت عمن كل أخطأ في حقي، وعفوت عن كل من اغتابني لخاطرك يا أبا الحسن.
دعوة مني في هذا الشهر الكريم لكم أيها الأحبة فليعقد كل شخص في قلبه وأن يعفو عن كل من ظلمه وتجاوز عليه إن كان المعتدي يحب علياً عليه السلام.
وهذا الأمر يكون له أكبر الأثر عندما يكون أمير المؤمنين شفيعا لك في المواقف الصعبة.
3- سبيل التخلص من مرض اتهام المؤمنين.
إن كان الشخص مبتلىً باتهام المؤمنين فما هو الحل ؟ نذكر طريقتين للعلاج.
? - الطريقة الأولى: ذكرنا أن إتهام المؤمنين هو أن تبرز ظنك السيء في أخيك المؤمن وجذره هو سوء الظن فإذا اقتلعت الجذر سهل عليك الأمر.
في كثير من الأحيان لا تحتاج سوى لبضع دئائق لتدرك أن ما تظنه هو بعيد كل البعد عن أرض الواقع،
في يوم من الأيام ذهب وفد من لبنان لزيارة السيد محسن الحكيم قدس سره،
الوفد اللبناني عندما زاروا السيد محسن الحكيم كان بجانبه رجلاً يلبس ساعة، ووجدوا السيد مستلقيا فسلموا عليه لكنه لم يرد السلام عليهم، وفي تلك اللحظة صار كل شخص من ذلك الوفد ينظر إلى الآخر ويتحدثون في أنفسهم أهذا الذي يصفونه بحسن الأخلاق ولا يكلف نفسه أن يرد علينا السلام؟! ولو كنا نعلم ذلك لما كلفنا أنفسنا عناء السفر إليه.
ما هي إلا دقيقة واحدة أو أكثر: قام السيد ورحب بهم أي ترحيب وصار يعتذر إليهم وقال المعذرة للتو شربت الدواء!
هناك من الأدوية في تلك الأزمنة لا تعطي مفعولها إلا مع الهدوء والسكون التام،
ولما سمعوا ذلك الوفد ذلك الكلام صار كل أحد منهم يوبخ نفسه ويقولون اتهمنا رجلا وأي رجل ؟! اتهمنا رجلاً بمستوى السيد محسن الحكيم.
(وكان الإنسان عجولا).
روي أن (ص) كان يكلم زوجته صفية بنت حي ابن أخطب، فمر به رجل من الأنصار، فدعاه رسول الله، وقال، يا فلان! هذه زوجتي صفية. فقال: يا رسول الله! أفنظن بك إلا خيرا؟ قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فخشيت أن يدخل عليك "
? - الطريقة الثانية: الاعتماد على الإخبارات الحدسية.
مثلاً أنا جالس فوق المنبر وعلمك بجلوسي علم عن حدس أو حس ؟ هو علم عن حس لأنك تراني بعينك ولذلك ورد عن أمير المؤمنين (ع): بين الحق والباطل أربع أصابع.
ينبغي عدم الاعتماد على الحدس وإنما على الحس لأن الحدس هو سبب لكثير من المشاكل والاتهامات.
سوء الظن حالة مذمومة لكنها ليست مذمومة في كل الأحوال .
Leave a comment
Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.