وصية أمير المؤمنين عليه السلام كما ذكرها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه ، وأبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين :
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أوصى به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
أوصى انه يشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وانا أول المسلمين ، أوصيكما بتقوى الله وان لا تبغيا الدنيا وان بغتكما ، ولا تأسفا على شئ منها زوي عنكما ، وقولا بالحق وأعملا للأجر ( للآخرة خ ل ) ، وكونا للظالم خصما ، وللمظلوم عونا ، أوصيكما وجميع ولدي وأهل بيتي ، ومنْ بلغهم كتابي هذا من المؤمنين بتقوى الله ، ونظم أمركم ، وصلاح ذات بينكم فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وأله يقول : صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام ، وان البغضة حالقة الدين ، ولا قوة الا بالله ، انظروا ذوي ارحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب ، والله الله في الأيتام لا تغيروا أفواههم ، ولا يضيعوا بحضرتكم فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : منْ عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له الجنة ، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار ، والله الله في القرآن فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم ، والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم ما زال يوصينا بهم حتى ظننا انه سيورثهم ، والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم ، فإنه ان ترك لم تناظروا ، وان أدنى ما يرجع به من امه ان يغفر له ما سلف من ذنبه ، والله الله في الصلاة فإنها خير العمل ، وانها عمود دينكم ، والله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم ، والله الله في صيام شهر رمضان فان صيامه جنة من النار ، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم فإنما يجاهد في سبيل الله رجلان امام هدى ، ومطيع له مقتد بهداه ، والله الله في ذرية نبيكم فلا يظلمن بين أظهركم ، والله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ، ولم يؤووا محدثا فان رسول الله ( صلى الله عليه واله ) اوصى بهم ولعن المحدث منهم ، ومن غيرهم ، والمؤوي للمحدث ، والله الله في الفقراء والمساكين فاشركوهم في معايشكم ، والله الله في النساء وما ملكت ايمانكم فان آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه واله ان قال : أوصيكم بالضعيفين نسائكم ، وما ملكت ايمانكم ، ثم قال : الصلاة الصلاة ، ولا تخافن في الله لومة لائم يكفكم منْ أرادكم وبغى عليكم قولوا للناس حسنا كما امركم الله عز وجل ، ولا تتركوا الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر فيولي الله الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم ، عليكم بالتواصل والتباذل والتبار ، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ، واتقوا الله ان الله شديد العقاب ، حفظكم الله من أهل بيت ، وحفظ فيكم نبيكم ، واستودعكم الله خير مستودع ، واقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
ثم قال للحسن ( عليه السلام ) :
ابصروا ضاربي اطعموه من طعامي واسقوه من شرابي . ثم قال للحسن عليه السلام :
إذا أنا مت فلا تغال في كفني ، وصلِ عليّ ، وكبرْ عليّ سبعاً ، وفي رواية خمسا ، وغيّبْ قبري .
قال ابن الأثير :
ثم لم ينطق الا بلا إله الا الله حتى توفي عليه السلام وبقي إلى نحو ثلث الليل وتوفي فصرخت بناته ونساؤه وارتفعت الصيحة في القصر فعلم أهل الكوفة ان أمير المؤمنين عليه السلام قد قبض فاقبل الرجال والنساء يهرعون أفواجا أفواجا وصاحوا صيحة عظيمة فارتجت الكوفة بأهلها وكثر البكاء والنحيب وكثر الضجيج بالكوفة وقبائلها ودورها وجميع أقطارها فكان ذلك كيوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه واله .
أمير المؤمنين عليه السلام يودع الأسرة :
قال محمد بن الحنفية : لما كانت إحدى وعشرين ، وأظلم الليل ، وهي الليلة الثانية من الكائنة جمعَ أبي أولاده وأهل بيته وودعهم ، ثم قال لهم :
الله خليفتي عليكم وهو حسبي ونعم الوكيل ، وأوصى الجميع بلزوم الايمان والأديان والأحكام التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه واله ، وهي الوصية المتقدمة .
و قال محمد بن الحنفية :
ثم تزايد ولوج السم في جسده الشريف ، حتى نظرنا إلى قدميه وقد احمرتا جميعا ، فكبر ذلك علينا ، وأيسنا منه ، ثم أصبح ثقيلا ، فدخل الناس عليه فأمرهم ونهاهم ، ثم أعرضنا عليه المأكول والمشروب ؟ فأبى ان يأكل أو يشرب ، فنظرنا إلى شفتيه وهما يختلجان بذكر الله تعالى ، وجعل جبينه يرشح عرقا ، وهو يمسحه بيده قلت :
يا أبتاه أراك تمسح جبينك .
فقال : يا بني اني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول :
إن المؤمن إذا نزل به الموت ودنت وفاته عرق جبينه وصار كاللؤلؤ الرطب وسكن أنينه .
ثم قال ( عليه السلام ) يا أبا عبد الله ويا عون ، ثم نادى أولاده كلهم بأسمائهم ، صغيرا وكبيرا واحدا بعد واحد ، وجعل يودعهم ويقول :
الله خليفتي عليكم ، أستودعكم الله ، وهم يبكون .
، فقال له ولده الحسن عليه السلام ما دعاك إلى هذا ؟
فقال له يا بني اني رأيت جدك رسول الله صلى الله عليه واله في منامي قبل هذه الكاينة بليلة فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلل والأذى من هذه الأمة ، فقال لي ادع عليهم ، فقلت اللهم أبدلهم بي شرا مني ، وأبدلني بهم خيرا منهم .
فقال : قد استجاب الله دعاك ، سينقلك إلينا بعد ثلاث ، وقد مضت الثلاث ، يا أبا محمد أوصيك بأبي عبد الله خيرا ، فأنتما مني وأنا منكما .
ثم التفت إلى أولاده الذين هم من غير فاطمة عليها السلام ، وأوصاهم ان لا يخالفوا أولاد فاطمة عليها السلام - يعني الحسن والحسين عليهما السلام - . ثم قال :
أحسن الله لكم العزاء ، ألا واني منصرف عنكم وراحل في ليلتي هذه ولاحق بحبيبي محمد صلى الله عليه واله كما وعدني ، فإذا أنا مت فغسلني وكفني وحنطني ببقية حنوط جدك رسول الله صلى الله عليه واله فإنه من كافور الجنة جاء به جبرئيل عليه السلام إليه ، ثم تقدم يا أبا محمد وصل علي ، يا بني يا حسن وكبر علي سبعا ، واعلم أنه لا يحل ذلك لأحد غيري ، إلا على رجل يخرج في آخر الزمان اسمه القائم المهدي من ولد الحسين عليه السلام يقيم إعوجاج الحق ، ثم غيب قبري ، ثم يا بني بعد ذلك إذا أصبح الصباح أخرجوا تابوتا إلى ظهر الكوفة على ناقة ، وأمرْ بمنْ يسيرها بما بان يسيرها كأنها تريد المدينة ، بحيث يخفى على العامة موضع قبري الذي تضعني فيه ، وكأني بكم وقد خرجت عليكم الفتن من ها هنا وها هنا ! فعليكم بالصبر ، فهو العاقبة .
ثم قال يا أبا محمد ويا أبا عبد الله اصبرا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ، ثم قال يا أبا عبد الله أنت شهيد هذه الأمة ، فعليك بتقوى الله والصبر على بلائه ، ثم أغمي عليه ساعة وأفاق وقال هذا رسول الله صلى الله عليه واله وعمي حمزة وأخي جعفر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وكلهم يقول عجل قدومك علينا ، فإنا مشتاقون ، ثم أدار عينيه في أهل بيته كلهم وقال أستودعكم الله جميعا ، الله خليفتي عليكم وكفي بالله خليفة ، ثم قال وعليكم السلام يا رسل ربي ، ثم قال لمثل هذا فليعمل العاملون ( ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) وعرق جبينه ، وهو يذكر الله كثيرا . وما زال يتشهد الشهادتين ثم استقبل القبلة وغمض عينيه ومد رجليه وأسبل يديه وقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم قضى نحبه عليه السلام .
قال وكانت وفاته ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان ، وكانت ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة . قال فعند ذلك صرخت زينب بنت علي وأم كلثوم وجميع نسائه ، وقد شقوا الجيوب ولطموا الخدود وارتفعت الصيحة في القصر ، فعلم أهل الكوفة ان أمير المؤمنين عليه السلام قد قبض ، فأقبل النساء والرجال يهرعون أفواجا أفواجا وصاحوا صيحة عظيمة ، فارتجت الكوفة بأهلها وكثر البكاء والنحيب والضجيج بالكوفة وقبائلها ودورها وجميع أقطارها ، فكان ذلك كيوم مات فيه رسول الله ، فلما أظلم الليل تغبر أفق السماء وارتجت الأرض وجميع من عليها بكوا ، وكنا نسمع جلبة وتسبيحا في الهواء ، فعلمنا انها أصوات الملائكة ، فلم يزل كذلك إلى أن طلع الفجر . قال محمد بن الحنفية ثم أخذنا في جهازه ليلا ، و كان الحسن عليه السلام يغسله ، والحسين عليه السلام يصب عليه الماء ، ثم نادى الحسن عليه السلام أخته زينب وأم كلثوم وقال :
يا أختاه هلمي بحنوط جدي رسول الله صلى الله عليه واله فبادرت زينب مسرعة أتته به . قال فلما فتحته فاحت الدار وجميع الكوفة وشوارعها لشدة رائحة ذلك الطيب ثم لفوه بخمسة أثواب كما أمر عليه السلام ثم وضعوه على السرير .....وضجت الكوفة بالبكاء والنحيب ، وخرجن النساء يتبعنه لاطمات حاسرات ، فمنعهن الحسن عليه السلام ونهاهن عن البكاء والعويل وردهن إلى أماكنهن ، والحسين عليه السلام يقول :
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، يا أباه وا انقطاع ظهراه من أجلك تعلمنا البكاء ، إلى الله المشتكى .... وألحد أمير المؤمنين عليه السلام عند طلوع الفجر .