تغطية مصورة - يوم 1 محرم 1444هجرية - الخطيب الشيخ رجائي البارباري
ملخص المحاضرة: مراحل التفاعل مع قضية الإمام الحسين (ع).
عن الصادق (ع) أنه قال لمسمع: رحم الله دمعتك، أما إنك من الذين يُعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا أمنّا.
الشريعة الإسلامية أمرت بالصبر في نصوصها الشرعية القرآنية والروائية وقد ضرب النبي (ص) وأهل بيته (ع) أروع الأمثلة في الصبر وفي مقابل الصبر هناك الجزع.
الجزع هو استمرار البكاء بلا انقطاع أو ضرب البدن أو إيذاؤه بالإدماء أو شق الجيش أو بأي شيء يفيد عدم الرضا بفقد الفقيد، وهذا العنوان عنوان عام لأن هناك خصوص في قضية الإمام الحسين (ع) فإن كل ذلك مستحب ولا اختلاف بين علماؤنا في ذلك (الجزع على الحسين).
- عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: أيما مؤمن من دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام حتى تسيل على خده بوأه الله تعالى بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خديه فيما مسنا من الأذى من عدونا في الدنيا بوأه الله منزل صدق، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة أو أذى فينا صرف الله من وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخط النار.
- عن مسمع بن عبد الملك كردين البصري قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا مسمع أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين (عليه السلام)، قلت: لا أنا رجل مشهور عند أهل البصرة، وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة وعدونا كثير من أهل القبائل من النصاب وغيرهم، ولست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيمثلون بي . قال لي: أفما تذكر ما صنع به، قلت: نعم، قال: فتجزع، قلت: إي والله واستعبر لذلك حتى يرى أهلي اثر ذلك علي فامتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي، قال: رحم الله دمعتك، أما انك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا آمنا، أما انك سترى عند موتك حضور آبائي لك ووصيتهم ملك الموت بك وما يلقونك به من البشارة أفضل، وملك الموت ارق عليك وأشد رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها.
قال: ثم استعبر واستعبرت معه، فقال: الحمد لله الذي فضلنا على خلقه بالرحمة وخصنا أهل البيت بالرحمة، يا مسمع إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) رحمة لنا، وما بكى لنا من الملائكة أكثر وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا، وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دموعه على خده فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرها حتى لا يوجد لها حر، وان الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض، وان الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه حتى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.
يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ولم يستق بعدها أبدا، وهو في برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل، أحلى من العسل، وألين من الزبد، وأصفى من الدمع، وأذكى من العنبر، يخرج من تسنيم ويمر بأنهار الجنان، يجري على رضراض الدر والياقوت، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء، يوجد ريحه من مسيرة الف عام، قدحانه من الذهب والفضة وألوان الجوهر، يفوح في وجه الشارب منه كل فائحة حتى يقول الشارب منه: يا ليتني تركت هاهنا لا أبغي بهذا بدلا ولا عنه تحويلا.
هذه الرواية من إمامنا الصادق (ع) تضع لنا برنامجا متكاملا في كيفية التفاعل مع قضية الإمام الحسين (ع).
وأول نقطة من برامج التفاعل مع قضية الإمام الحسين هو أن أستذكر ما جرى على الحسين (ع) فعند مجيئي مثلا فضلا عن وصولي للمأتم أستذكر ذلك (هل هناك قتيل مثل به كما مثل به الحسين؟ هل هناك من قتل على صدره رضيعه؟)
والاستذكار فعل اختياري والفعل الاختياري يحتاج لهدف.
وثاني نقطة هي التوجع وثالث النقاط الاستعبار.
إذن هناك ثلاث مراحل (استذكار – توجع – استعبار) لكن هل هذه المراحل كافية؟ لا ليست كافية كما في الرواية لأن هذه المراحل لابد أن تكون مصحوبة بالجزع.
الجزع هو فعل من الأفعال المنافية للصبر وكل الجزع مكروه ما خلا الجزع على الحسين فإن المؤمن فيه مأجور وهنا نقطة لابد من الوقوف عليها.
الإمام كرر كلمة الرحمة لأنه يريد أن يبين لنا أن الشعائر الحسينية باب من أبواب رحمة الله.
البكاء على الحسين (ع) رحمة للحسين ورحمة من الحسين لنا والبكاء عليه أيضا فيه رحمة إلهية تتنزل علينا " وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلا رحمه الله".
بمجرد حضورنا للمأتم تنزل الرحمة الإلهية.
علينا أن نسأل هل لا زلنا بحاجة للبكاء على الحسين (ع) ؟ هل أدينا حق الحسين ؟
فلنتأمل في حقيقة ما جرى ولو تأملنا فإنه لم يصل لنا كل شيء مما جرى في كربلاء فمصيبته راتبة.
مصيبة الحسين راتبة ما أعظمها جلت في السماوات والأرض وبكاه ما يرى وما لا يرى من خلق ربنا.
العلماء في أوج صعودهم وتقدمهم العلمي كانوا يجعلون تعزية الحسين في مقدمة دروسهم العلمية وذلك لأنهم يريدون أن يبينوا للناس أن الشريعة الإسلامية لم تحفظ إلا بالحسين (أيها الناس ما بقت الشريعة وما بقي الإسلام إلا بدم الحسين عليه السلام).