(زِيَارَةُ الْأَرْبَعِيْنْ.. مَلْحَمَةُ الْبِنَاءِ وَالتَّهْذِيبِ):
رُوِيَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: (عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ صَلَاةُ الْإِحْدَى وَالْخَمْسِينَ وَزِيَارَةُ الْأَرْبَعِينَ وَالتَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ وَتَعْفِيرُ الْجَبِينِ وَالْجَهْرُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
مقدمة:
زيارة الأربعين تُعد من علامات المؤمن، وقد شكلت ارتكازا شرعيا تلقاه المؤمنين عن أهل البيت عليهم السلام، فالروايات ذكرت خصوصية استحباب زيارة الأربعين للحسين عليه السلام دون غيره من الأئمة عليهم السلام، فما هي الخصوصية للعدد (أربعين) لكي يتم تشريعه لاستحباب زيارة سيد الشهداء عليه السلام في هذا اليوم؟
تشريع زيارة الأربعين:
قد يطرح احتمال تشريع الاستحباب لموافقته مع زيارة جابر بن عبدالله الأنصاري حيث التقى بالإمام السجاد والسيدة زينب عليهما السلام، إلا أنه مستبعد بالنظر لقاعدة التشريع الإلهي القائم على قاعدة المصالح، فإذا كان هناك استحباب فهناك مصلحة واقعية تكوينية، فلا يمكن أن تكون التشريعات متروكة للمصادفات، إلا إذا كان الحدث قد اتفق للتدليل على تلك المصلحة، ويعبر في حقيقته عن مصلحة تكوينية ثابتة في نفس الأمر والواقع، فالأصل في التشريع هو المصلحة لا الحدث.
ورود الزوار كاشف عن المصلحة:
ورود الزوار للحسين (ع) كاشف عن المصلحة، ولا يصلح الترميز للتشريع إلا بما يدلل وراءه من مصالح واقعية، وينبغي التساؤل بخصوص المصلحة الواقعية لزيارة السجاد (ع) للحسين (ع) في الأربعين، فدللت على استحباب الزيارة كعبادة ثابتة في منظومة التشريع، وما دام أن هناك حكم بالاستحباب فنحتاج لتتبع العدد (40) في الروايات لمعرفة خصوصية زيارة الأربعين.
خصوصية العدد أربعين (40):
في الروايات الشريفة يكثر ذكر العدد (40) بما يدلل على خصوصيته، وقد ورد في العديد من الأمور، ومنها ما يتعلق بطبيعة خلقة الإنسان وما يترتب عليها من تنظيم تشريعي وتكويني، وما يتعلق بتأثير الطعام على البدن والروح سلباً أو إيجاباً، وكذلك فيما يتعلق بالاستمرار في العبادات عدداً أو أوقاتاً معينة، أو حفظ أربعين حديثاً.، ولذلك فإن خصوصية العدد 40 تأتي من كونه المائز والفاصل في النقلة بين حال إلى حال، وهو عدد الاستيفاء والانتقال من القابلية إلى الفعل والانتقال من طور إلى طور حال الاستدامة، وهذا ما يستنبط من كلام العلماء أن المداومة على أمرٍ ما بعدد 40 فإنه بتمام ذلك اليوم يكون الاستيفاء.
روايات العدد أربعين (40):
عن النبي صلى الله عليه وآله: مَن أكَلَ الحَلالَ أربَعينَ يَومًا، نَوَّرَ اللّه ُ قَلبَهُ، وأجرى يَنابيعَ الحِكمَةِ مِن قَلبِهِ.
الإمام عليّ عليه السلام: مَن أخلَصَ للّه أربَعينَ صَباحًا، يَأكُلُ الحَلالَ، صائِمًا نَهارَهُ، قائِمًا لَيلَهُ، أجرَى اللّه ُ سُبحانَهُ يَنابيعَ الحِكمَةِ مِن قَلبِهِ عَلى لِسانِهِ.
عن الحسين بن خالد: قُلتُ لِأَبِي الحَسَنِ (الرضا) عليه السلام: إنّا رُوّينا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله أنَّهُ قالَ: مَن شَرِبَ الخَمرَ لَم تُحتَسَب لَهُ صَلاتُهُ أربَعينَ يَوماً. قالَ: صَدَقوا. قُلتُ: وكَيفَ لا تُحتَسَبُ صَلاتُهُ أربَعينَ صَباحاً لا أقَلَّ مِن ذلِكَ ولا أكثَرَ؟ فَقالَ: إنَّ اللّه َ عز وجل قَدَّرَ خَلقَ الإِنسانِ فَصَيَّرَهُ نُطفَةً أربَعينَ يَوماً، ثُمَّ نَقَلَها فَصَيَّرَها عَلَقَةً أربَعينَ يَوماً، ثُمَّ نَقَلَها فَصَيَّرَها مُضغَةً أربَعينَ يَوماً. فَهُوَ إذا شَرِبَ الخَمرَ بَقِيَت في مُشاشِهِ أربَعينَ يَوماً عَلى قَدرِ انتِقالِ خِلقَتِهِ.
خصوصية زيارة الأربعين:
زيارة الأربعين ما دامت مشرعة وعملا عباديا مستحبا فإننا نفهم بالدلالة الالتزامية أن هناك خصوصية للعدد 40، ، وكذلك بالنسبة لأربعين الإمام الحسين (ع) فإنها ترتبط بالعدد الأربعين من جهة الاستيفاء والمداومة، فمن يوم عاشوراء إلى يوم الأربعين يتجلى الارتباط بالحسين قولا وفعلا بالبكاء والعزاء والحزن على مصابه، والحسيني العاشق إذا أدام البكاء على الحسين (ع) 40 يوماً فإن يوم الأربعين يعد يوم استيفاء وإيفاء وينتقل حاله من طور لآخر في علاقته مع سيد الشهداء، ولذلك شرعت زيارة الأربعين من اجل استيفاء حالة البكاء والعزاء على الحسين (ع)، ويعطى الزائر تحفته يوم الأربعين إذا كان باكيا نادبا لسيد الشهداء.
تحفة الحسين لزواره
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
يَا زُرَارَةُ إِنَّ السَّمَاءَ بَكَتْ عَلَى الْحُسَيْنِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً بِالدَّمِ، وَإِنَّ الْأَرْضَ بَكَتْ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً بِالسَّوَادِ، وَإِنَّ الشَّمْسَ بَكَتْ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً بِالْكُسُوفِ وَالْحُمْرَةِ، وَإِنَّ الْجِبَالَ تَقَطَّعَتْ وانْتَثَرَتْ، وَإِنَّ الْبِحَارَ تَفَجَّرَتْ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَكَتْ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً عَلَى الْحُسَيْن.
وما من عَين أحبُّ إلى الله ؛ ولا عَبرةٌ مِن عين بَكتْ ودَمَعَت عليه، وما مِن باكٍ يبكيه إلاّ وقد وصل فاطمة عليها السلام وأسعدها عليه ووصَلَ رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأدّى حقّنا، وما من عبد يُحشَرُ إلاّ وعيناه باكيةً إلاّ الباكين على جدِّيَ الحسين عليه السلام، فإنّه يحشر وعينه قَريرة، والبشارة تلقاه والسّرور على وجهه، والخلق في الفزع وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حدّاث الحسين عليه السلام تحت العرش وفي ظلِّ العرش، لا يخافون سوءَ يوم الحساب، يقال لهم : ادخلوا الجنّة، فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه، وأنَّ الحور لترسل إليهم أنّا قد اشتقناكم مع الولدان المخلّدين فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم مِنَ السُّرور والكَرامَة.