مقام الشهادة على الأعمال
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) سورة التوبة
مقام الرضا لأهل البيت (عليهم السلام):
يستطيع الباحث أن يستدل على عظمة أهل البيت عليهم السلام من خلال الدراسة التحليلة الدقيقة لحياتهم العملية والأجر الأخروي الذي أعده الله لهم، فالجزاء توقف على العمل، ومما أعطاهم الله بذلك مقام الرضا، ففي حديث الإمام الحسين عليهم السلام في مكة المكرمة (رِضَی اللَّهِ رِضانا اهْلَ الْبَیتِ، نَصْبِرُ عَلی بَلائِهِ لِیوَفّینا أجورَ الصّابرینَ). وفي الآية الشريفة (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ). فقد أعطى الله هذا المقام للأئمة عليهم السلام، أي أن هناك اتحادا في الإرادة بين الأئمة وبين الله عزوجل.
السؤال: ما لمن اتحدت إرادته مع إرادة الباري جل وعلا؟
ثبت أن هناك مقاماً للأئمة في الشهادة على الأعمال، ولا يمكن تحقق الشهادة بدون حضور، فشهادة الأئمة عليهم السلام على الأعمال هو فرع التحمل، يأخذون بها من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة حيث يؤدون الشهادة هناك.
من هم المؤمنون في الآية الشريفة؟
الآية قرنت رؤية الله للأعمال برؤية رسوله والمؤمنون، فهل المعني بها هم جميع الناس؟ بإمكان الناس أن يشهدوا الأعمال الخارجية الظاهرية، إلا أنه من غير المتيسر شهادة الأعمال الخفية والخواطر، كما أنه ليس بإمكانهم الشهادة على أمور وقعت في أماكن أخرى ومواقع مختلفة لم يتواجدوا فيها، وفي الحديث للإمام الصادق عليه السلام في تفسيره لهذه الآية قوله (هم الأئمة تعرض عليهم أعمال العباد كل يوم الى يوم القيامة).
مفاد الآية:
ذكرت الروايات أن الأعمال تعرض على النبي (ص) وعلى الأئمة عليهم السلام، وهذا الأمر له الأثر العميق على سلوك الإنسان، فالإنسان بطبعه يراعي جميع جوانب حديثه إذا كان أمام شخصية محترمة (دينية، علمية، ذات وجاهة). فإذا كان الإنسان مدركاً وملتفتاً بأن جميع أعماله تُعرض ويراها الرسول (ص) أو المعصوم (ع) فلن يصدر منه القبيح.
الأعمال جوارحية وخواطرية:
ظاهر العمل (الجوارح) وباطنه (الخواطر والنيات)، فقد يكون ظاهر العمل وباطنه خيرا، وقد يكون ظاهره خيراً وباطنه شرا، والإنسان العادي لا يمكنه أن يطلع على حقيقة العمل ونيته، فغير المعصوم لن يتمكن من الاطلاع على الخواطر والشهادة على الأعمال.
ملامح من شهادة الأئمة على الأعمال:
الإمام الحسين (ع) وشهادته للمقام وسماعه للكلام ورد السلام:
ورد في زيارة الإمام الحسين عليه السلام: (أَشْهَدُ أَنَّكَ تَشَهَدُ مَقامي وَتَسْمَعُ كَلامِيْ وَتَرُدُّ سَلامي)، الإمام الحسين حاضر كما تبين الآية (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، هو حي يرزق، ولذلك فهو يسمع الكلام من هذا المنطلق وهو يشهد على الأعمال.
استياء رسول الله من معاصي الأمة:
وفي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: مَا لَكُمْ تَسُوؤُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم؟ فَقَالَ رَجُلٌ: كَيْفَ نَسُوؤُهُ؟ فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأى فِيهَا مَعْصِيَةً سَاءَهُ ذلِكَ؟ فَلَا تَسُوؤُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، وَسُرُّوهُ. فلو أن صدر من أحد أهلنا أمرٌ مخجل فسنستاء نفسيا، فالمؤمن إذا فعل القبيح فسيتسبب باستياء رسول الله (ص).
الإمام الرضا عليه السلام:
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبَانٍ الزَّيَّاتِ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام: ادْعُ اللهَ لِي وَلِأَهْلِ بَيْتِي، فَقَالَ: أَوَلَسْتُ أَفْعَلُ؟ وَاللهِ، إِنَّ أَعْمَالَكُمْ لَتُعْرَضُ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. قَالَ: فَاسْتَعْظَمْتُ ذلِكَ، فَقَالَ لِي: أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ).