كتب الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام إلى وُجوهِ أهلِ البَصرَةِ يَدعوهُم إلى كِتابِ اللّه ِ، ويَقولُ لَهُم: «إنَّ السُّنَّةَ قَد اُميتَت، وإنَّ البِدعَةَ قَد اُحيِيَت ونُعِشَت» وكَتَموا كِتابَهُ إلَا المُنذِرَ بنَ الجارودِ العَبدِيَّ، فَإِنَّهُ خافَ أن يَكونَ عُبَيدُ اللّه ِ بنُ زِيادٍ دَسَّهُ إلَيهِ، فَأَخبَرَهُ بِهِ وأقرَأَهُ إيّاهُ .
كانت الخلافة الأموية والمنهاج الأموي مرفوضاً ومنبوذاً عند أغلب فئات المجتمع. والمعارضة انقسمت إلى:
القسم الأول: المعارضة القلبية:
وما يشير إلى ذلك في مسير الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة أنه كلما لقي جماعة من أهلها وسألهم عن حال الكوفة قولهم (إن قلوبهم معك وسيوفهم عليك).
القسم الثاني: المعارضة العملية الواقعية:
وتصدرتها أربع شخصيات في رفضها المبايعة:
1-عبدالرحمن بن أبي بكر: (أما أنا فأدخل داري وأغلق عليَّ الباب ولا أبايعه).
2-عبدالله بن عمر: (أما أنا فعليَّ بقرآءة القرآن ولزوم المحراب).
3-عبدالله بن الزبير: (أما أنا فلا اُبايع ، حتى يصير السيف والرمح بيني وبينه) ونحا منحى الهروب عن قبضة بني أمية.
4-الإمام الحسين عليه السلام: وتصدر سيد الشهداء عليه السلام المبايعة العملية الواقعية فقال: (أما أنا فأجمع فتيتي وأتركهم بباب الدار وأدخل على الوليد، فأناظره ويناظرني ، وأطالب بحقّي.)
سؤال وإشكالية: لماذا سلك الإمام الحسين عليه السلام مسلك العداء المباشر وواجه آل أمية ولم يجلس في داره دون بيعة أو خروج. فما هو أساس انطلاق الحسين عليه السلام؟ وهذا يحيلنا إلى الإشكال الذي يثار بأن حركة الحسين عليه السلام كانت امتدادا للصراخ القبلي بين بني أمية وبني هاشم قبل الإسلام.
وهذا الإشكال يسقط الثورة الحسينية عن الاعتبار، وبالتالي فلا يمكن أن تكون قدوة وانتصاراً للمبادئ، وفي حال كونها صراعاً قبلياً -في حال الفرضية- فواجب المسلمين اتخاذ جانب الحياد.
جواب الإشكال على عدة وجوه:
الوجه الأول:
منشأ خلاف بني أمية وبني هاشم لم يكن سببه صراعا على كرسي أو وجاهة، وإنما سببه دخول بني هاشم في (حلف الفضول) مع بعض قبائل قريش والذي يقوم على نصرة المظلوم ونبذ العنف ونصر القيم والمبادئ،والذي رفضه بني أمية وعارضوه.
-فلو سلمنا جدلاً- أن ثورة الحسين (ع) هي امتداد لهذا الصراع فلا ضير في ذلك، إلا أن الحاصل أن الأمر ليس امتدادا للخلاف التاريخي.
الوجه الثاني:
تميز أصحاب الإمام الحسين عليه السلام بأنهم من عدة طوائف وقبائل وأديان وأعراق وطبقات مختلفة، فكيف اجتمع هؤلاء على نصرة الحسين (ع) مع اختلاف توجهاتهم وطبقاتهم؟ فإذا كانت الثورة منشؤها امتداد لصراع قبلي فما هي علاقتهم بهذا الصراع؟ ما جمعهم هو الموقف والمبدأ.، كربلاء المقدسة ليست امتدادا لصراع قبل الإسلام، وإنما هي امتداد لصراع الرسول الأعظم مع الجاهلية
الوجه الثالث:
- لا يوجد في خطابات الحسين عليه السلام ما يشير إلى وجود صراع قبلي أو عشائري
- لم يتذرع أي شخص تخلف أو فر من نصرة الحسين (ع) بحجة أن الصراع قبلي
- مواقف الحسين عليه السلام بينت أن الصراع كان من أجل الله سبحانه وتعالى
- رفض الحسين لزيجة يزيد من ابنة اخته (ابنة عبدالله بن جعفر) كونها توحي بأن هناك صراع قبلي وانتهى بالزيجة.
الوجه الرابع: كلمات الحسين عليه السلام:
- (مثلي لا يبايع مثله) تشير إلى التباين والاختلاف في (الدين والعدل المروءة / الفسق والظلم والجور)
- ( إنَّ السُّنَّةَ قَد اُميتَت، وإنَّ البِدعَةَ قَد اُحيِيَت) فتشير إلى أن تعطيل السنة وإحياء البدع.
فهذا الصراع من أجل الدين وبقائه، صراع بين قطبين منذ نشأة الإسلام، بين الإسلام والجاهلية لإحقاق الحق، فثورة الحسين عليه السلام امتداد لصراع رسول الله (ص) مع الجاهلية.