ملخص محاضرة - ليلة 1 محرم الحرام 1443 هجرية - الخطيب الشيخ علي الجفيري
الموضوع الأول: (قيمة التفجّع ونقولاته في الإحياء الحسينيّ):
- مقدمة:
العقل والقلب هو القطب الشرعي الدقيق الذي أُمرنا أن نتمحور حوله في عاشوراء، والشارع نظر للعاطفة بموضوعية، فلا مجال للاقتراح والتبديل.
- التفجّع ونقولاته أحد أركان العاطفة في الإحياء، بُذلت محاولات عديدة لإنقاص قيمته العلمية والعملية، فهنا 3 نقاط.
- النقطة الأولى: المقصود من التفجع: وهنا 4 أمور:
1) التفجع لغة: هو التوجع والتضور للرزية.
2) التفجع فنّيًّا: طلب الوجع بسرد الحدث الكربلائي مع زيادات مستوحاة من الحدث؛ لتحريك جموده، وربط مشاهده تحصيلا للتفاعل بتحسس مشاعر أصحاب الحدث، ومحاكاتها بالتمثيل، ورسم التصويرات لتفاصيل الحدث التي قد تضيع في وصف الإطار العام له.
3) نقولات التفجع مفهوما هي: كل سرد ينطلق من مفهوم التفجع المذكور، فينقل الحدث لا من منطلق تحقيقي موضوعي متجرد عن أي غاية، بل يكتبه بأساليب الندبة، وأدوات البلاغة، بكل ما تحويه من فسحة في الإضافة الاستيحائية على أصل الحدث، فتحوّله إلى ما يشبه القصة، والحكاية البليغة، وقد توصف الرواية بالضعف علميا، ولكنها تُعد من نقولات التفجع التي يُستفاد منها في الجانب الفني.
4) من مصاديق نقولات وكتب التفجع:
"روضة الشهداء" للكاشفي/ "المنتخب" للفقيه الطريحي/ "محرق القلوب" للفقيه النراقي/ "إكسير العبادات" للفقيه الدربندي/ "الدمعة الساكبة" للفاضل المتتبع البهبهاني –كما وصفه الآغا بزرك الطهراني-/ "عنوان الكلام" للفقيه الفشاركي/ "تذكرة الشهداء" للفقيه الكاشاني/ وغير ذلك.
- جُمع في هذه الكتب ما ورد في التاريخ والسير والتراجم قويا وضعيفا، وروايات حديثية وتاريخية، وحكايات مُزجت بأشعار وخطب، وبلاغيات وتصويرات ومحاورات، بما يحقق غرض الناعي والواعظ.
- عدد كبير من كتب التفجع كتبها فقهاء كبار، وبعضها قرّظه فقهاء، واعتمدوه في وعظهم.
- نقولات التفجع ليست نقولات خبرية وإن أخذت هيئتها، فلا تُحاكم بالكذب والصدق إلا من حيث التفجع والتحسر، لا من جهة المضمون المباشر.
- النقطة الثانية: التأسيس العلمي لنقولات التفجع: هنا 3 إشكالات:
1) نقولات التفجع تحجيم لواقعة كربلاء وتأسيساتها الخطيرة على يد المعصوم.
2) الأمثل هو التزام طريقة التحقيق في أي نقل عاشورائي مهما كان مقام النقل.
3) واقعة كربلاء مفجعة، ولا تحتاج إلى المبالغة في التفجع وتكلفه.
- من كلمات الفقهاء نقف على عدم مرجوحية تداول هذه النقولات، بل على رجحانها بوجوه عدة، منها:
1) قاعدة التسامح؛ بتقريب أنها ترخّص في العمل بضعيف الأخبار طلبا للثواب. واستحسنه الشهيد الثاني في "الدراية" بشرط ألا يبلغ الضعف حد الوضع، وأقره الشيخ الأعظم في "رسائله الفقهية" بأن العمل بكل شيء بحسبه، وصرح وعمل به الفاضل الدربندي، وناقش هذا الوجه الآغا بزرك في "الذريعة"، والبجنوردي في "القواعد الفقهية" بخروج هذه النقولات عن موضوع القاعدة. وقد يُرد بما ذكرناه عن الشيخ الأعظم.
2) يكفي الظن في تحقيق موضوع حكم البكاء والإبكاء، وهو غاية ما يحققه الخبر الصحيح، فكذلك الضعيف. قال به البجنوردي في "القواعد الفقهية".
3) صدق عنوان الإعانة على البر والإبكاء على نقل الخبر الضعيف غير معلوم الكذب، فيستحب ما دام نقله مباحا. قال به الشيخ الأعظم.
- نتيجة: استحباب وأمثلية العمل بنقولات التفجع بوجوه ذكرها الفقهاء، ولذلك مارسها عدد منهم تفريقا بين مقام التحقيق –الذي هم أولى به- ومقام الوعظ والرثاء.
- تنبيه:
القيمة العلمية والعملية لنقولات التفجع لها ضوابط، منها:
اعتمادها على ما ثبت من حادثة ولو في الجذر البعيد، تناسبها مع طبيعة الشخصيات، عدم الإفراط بتحويلها أصلا؛ فكربلاء ليست قصة، بل مصيبة ما أعظم رزيتها في الإسلام، والقصة فيها مطلوبة بحد ما يحقق الامتثال -بمستوياته المختلفة- لأمرهم(ع) بالعاطفة في الارتباط بكربلاء.
- تتضح مما ذكرنا أجوبة الأسئلة السابقة، والأجوبة:
1) القصة العاشورائية ليست تحجيما لقيمة الواقعة، بل هي عامل لا غنى عنه لفهمها والارتباط بها.
2) الأمثل هو التزام التحقيق فيما يستدعي التحقيق، ولا يصح الخلط في الحكم بين المقامات مع كونها حقا.
3) لا نسلم بدعوى كفاية خصوص الصحيح لتحقيق تمام غرض ومستويات التفجع الحق المستحب.
- النقطة الثالثة: قيمة التفجع في كربلاء:
التفجع المفتعل كان أصلا في فعل الحسين(ع) ومواقفه/ التفجع سيرة للمعصومين قبل وبعد كربلاء في جميع النشآت/ التفجع قيمة تكوينية فوق المقاسات الضيقة، وهي لا تتعارض مع العقل/ تفجع الحسين دلالة على حقائق باطنية خفية؛ لتبقى جذوة الارتباط وقّادة/ نقولات التفجع أيضا لها قيمة باطنية ما دامت نتائجها –من البكاء والجزع- كذلك.