- المحور الأول: المشتركات اللفظية والمشتركات العقلية.
العلماء يتحدثون عن ثلاث آيات من القرآن الكريم ويقولون أن تلك الآيات تحتمل مائة وجه من التفسير والآيات هم:
(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) – (وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا) – (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).
(هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)،
هذه الآية المباركة من جوامع الكلم ويقولون العلماء أن لدينا بما يسمى بالمشتركات العقلية والمشتركات اللفظية،
والمراد من المشتركات العقلية أن يتوفر لدي معنى واحدا لكن له عدة ألفاظ ومفردات،
وأما المشتركات النقلية فالمراد منها أن يتوفر لدي لفظة واحدة لكن لها عدة معانٍ.
كلمة (هل) في الآية المباركة هي من المشتركات اللفظية التي لها عدة من المعاني في القرآن الكريم ومن يتعقب هذه المفردة في القرآن الكريم يجد أنها وردت وجاءت على أربعة من المعاني.
- المعنى الأول: الأمر.
(فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) أي أن الله تعالى يأمرهم بالانتهاء عما يقومون به.
- المعنى الثاني: السؤال وإن كان السؤال بغرض التقريع.
- المعنى الثالث: بمعنى قد.
(هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا)، والله سبحانه وتعالى هنا ليس في مقام السؤال وإنما في مقام التقرير.
- المعنى الرابع: الجحود بمعنى النفي القاطع
(فَهَلْ عَلَى الرُّسُل إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبِين): الله تعالى ينفي كل تكليف للرسل عدا البلاغ.
الآية عندما تقرر أن لا جزاء للإحسان إلا لإحسان فإن هذا يرشد إلى مستقل عقلي والمستقلات العقلية هي تلك الأمور التي يدرك العقلاء بما هم عقلاء قبح الأشياء أو حسنها بغض النظر عن ديانتهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم؛
فالعقل قادر على نحو الاستقلال ومن صميم ذاته أن يدرك حسن الأمنة وقبح الخيانة.
ومع أن المستقلات العقلية تدرك حسن الإحسان إلا أن هناك من يفهم الإحسان فهما مرضيا ويتعامل مع الإحسان في إطار السلوك العقربي.
ابن المرزبان في كتابه فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب، حكايات في وفاء الكلب بحقوق ربه: منها أنه كان للحارث بن صعصعة ندماء لا يفارقهم وكان شديد المحبة لهم. فخرج في بعض متنزهاته ومعه ندماؤه فتخلف منهم واحد فدخل على زوجته، فأكلا وشربا ثم اضطجعا. فوثب الكلب عليهما فقتلهما. فلما رجع الحارث إلى منزله، وجدهما ميتين، فعرف الأمر، فأنشأ يقول:
فيا عجبا للخل يهتك حرمتي * ويا عجبا للكلب كيف يصون
وما زال يرعى ذمتي ويحوطني * ويحفظ عرسي والخليل يخون
هناك من الناس كلما أحسنت إليه يقابلك بالإساءة وإن كان يعيش في قالب بشري ويتحرك بصورة آدمية إلا أن سلوكه وطبعه سلوك وطبع العقارب وهذه الفئة هي التي يقصدها أمير المؤمنين (ع) في الرواية الواردة عنه (ع): "اتَّقِ شر مَنْ أحسنتَ إليه"
- المحور الثاني: تطبيقات المستقل العقلي
- التطبيق الأول: الإحسان الأول في الآية المباركة يقصد به التوحيد والإحسان الثاني يقصد به الجنة ودار النعيم أي أنه لا جزاء في توحيدكم إلا أن يجعلكم الله تعالى في جنته.
- التطبيق الثاني: الإحسان الأول يراد به النعم التي أغدقها الله تعالى على عباده والإحسان الثاني بما أن الله أحسن إليكم وأنعم عليكم فلا بد أن تعبدوه وتتقوه حق تقاته.
- التطبيق الثالث: كل من أحسن إليكم فردوا إليه إحسانه بإحسان.
هذا التطبيق يفتح الذهن إلى إشكال مهم وهو: الإحسان إلى أخيك يستوعبه العقل ولكن كيف تحسن إلى ربك وهو جبار السماوات والأرضين؟
هناك عدة نظريات في هذا الأمر: الشيخ عبدالرزاق الكاشاني في كتابه منازل السائرين قال بأن الإحسان تارة يكون للإنسان وتارة يكون إلى الخالق لكن الخاجة الأنصاري في تعليقه قال كيف نتعقل أن الإنسان يحسن إلى ربه؟
أنا أحسن لك لأنني محتاج لك وأنت تحسن إلي لأنك تحتاج إلي وهنا يقول أن الإحسان لا يكون إلا للنفس ويستدل بقوله تعالى: (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا).
- المحور الثالث: العمل الصالح.
- النظرية الدينية: العمل الصالح هو ما اشتمل على حسنيين هما الحسن الفعلي والحسن الفاعلي:
- الحسن الفعلي: القيام بالفعل نفسه مثل (بناء مسجد – بناء مأوى للأيتام – بناء مستشفى ...الخ)
- الحسن الفاعلي: حسن النية عند القيام بالفعل.
أنت عندما بنيت المستشفى مثلا هل كانت نيتك تقديم العلاج للمرضى أم كانت نيتك بناؤه كمشروع استثماري؟ وأنت عندما بنيت مأتما هل كانت نيتك بناؤه لذكر أهل البيت أم كانت نيتك ليقال عنك أن بنيت مأتما باسمك؟
- النظرية المادية الغربية: المهم لديهم هو الحسن الفعلي فقط.